الرئيسية / كتاب الموقع / لحظات الفرح والفخر

لحظات الفرح والفخر

الدكتور عبد الله الزعبي

تسلل النوم من عينيه إذ تغشاه النعاس، فارقه مغاضباً في يوم الراحة كأنه يثأر من تعبه وكسله. غاصت احلامه في عتمة الفراغ وارتحلت صوب نفق الخواء، ثم أرخت جفونه اصفاد الحجاب عن مقليتيه فأصابت نظراته سقف الغرفة المزخرف بأشعة الصبح مثلما صفحة اليم تعكس وجه السماء. تقلب يمنة ويسرة ثم سكن في فراشه وهو يعانق الدفء ويتوسد دعة الصباح. انطلقت من فيه تثاؤبات ثقيلة حبست أنفاسه وسرحت بفكره حين اختطفته الغفلة وأودعته أزقة الأيام وساحاتها الرحبة، عادت به بعيداً إلى لحظات أبدية توجت عمره بالفرح والفخر، قليلة هي ومقلة لكنها ما زالت تسري في وجدانه ومع دمائه وتحفز نبضات قلبه وومضات عقله، ما فتئت تعينه على الإبحار في قارب الدنيا إذ يصارع عادياتها ويتحدى أمواجها. رسى به طيف الذكرى في حضن الشباب ومتعة الدرس والعلم، تراءى في مراءة الخيال عنفوان الغد عندما كان امامه، ينتظر اللهفة في أعماقه. انتابته ثانيةً نوبة من حنين للنعاس حين تذكر النوم الذي حرم منه طوال ليالي باردة ازدحمت بالكتب وأنين القلم وأنضاء السفر.

سويعة بذاتها غمرت روحة بالبهجة والسعادة، بقيت له عماداً للحكمة وسنداً للحلم، فتحت له آفاق السنين وعبدت طريق الخير، فذات عصر من صيف ماطر تظله الغيوم وتحفه الشِعاف، وقف وحيداً في مكتبه في ذاك المبنى طويل القامة اسود البنيان، من النافذة أخذ يرقب الزائر الجليل وأستاذه، بقلق ينتظر رهبة الإختبار وقسوة السؤال. تدحرجت السيارة على الطريق الملتوي بين التلال الخضراء تقل لجنة الإمتحان، تحمل معها جبل الوعد وصخرة العهد وتدفعه ناحية عسير الظلمة تارة ويسير الفجر أخرى. تهادت دعوة استاذه على مسمعه لدخول قاعة الإمتحان كأنها عاصفة سقطت على رأسه من السماء واخترق هديرها جدران ذاته. حمل الإيمان واليقين جسده المنهك ودخل به القاعة….حاول أن يتذكر ما جرى وأي نوع من السؤال تلقى أو حتى الإجابة، جل ما تذكره بعد ذلك كانت طلاوة التهنئة من استاذه إذ اجتاز المحنة ومنح الدكتوراة….قفز الفرح في بحر اعماقه وغمر وجدانه، وأسرع صوب الهاتف يزف الفخر لوالديه وأحبابه. اليوم فقط حقق ذاته ونال أمنياته وغدى حراً مثلما عصفور يحلق في أجواء التمني والرغبة وأسفار الوهم. عاد ثانيةً مرتاح الخاطر لدفء فراشه، يحتضن الفرح ويزهو بلحظة فخر زينت له العمر، التصقت عيونه بذاك السقف وأخذ يبحث عن لحظة فرح أخرى في مسار سنينه وحياته.

د.عبدالله الزعبي.

تعليق واحد

  1. مقال جميل ذو احسايس لا يشعر بلذتها الا من عاشها او يعيشها. وفقك الله دكتور و الى الامام.