الرئيسية / كتاب الموقع / كميل….وطنين الصمت

كميل….وطنين الصمت

كميل….وطنين الصمت

بالأمس وقف كميل عند حافة الشمال ينزف حياته ويشرب فقره، أمام مبنى المتصرفية ينعي أمله ونفسه، ينادي بالثأر من طوفان الخطيئة والخطأ. كان المشهد يعج بالتحدي ويصهل بأشجان التصدي، وجمرات القهر تغلي في صدره، والنار تضطرم في ثناياه وخلاياه وكل زاوية من اعماق روحه وخياله. كان كميل يلتحف الشماغ الأحمر على كتفيه وتهتز نشجاته جيئة وذهاباً كأنها تدعو الركب إلى اللحاق والحراك، تكاد فورة القهر وفجيعة القسر تقفز غاضبة من بين ضلوعة، تشكو البغي والجور والحبس في حضرة الحمام وحضيرة تأبى بها الأنعام. ثمان وثمانون يوماً برفقة الصُنان والنتانة والأسن، عقاب لا تقبل به شيم شريفة وأنفس عفيفة، تعافه ألباب حصيفة وتأباه نفحات الإيمان والعقيدة، بعيداً عن مظلة الحق والقانون وحرمة الإنسان على أخيه، وعلى ماذا، على كلمات قالها يطفح بها الفضاء وتتناقلها الصفحات منذ سنين، وقد قيلت تحت قبة البرلمان وفي الأعمدة والمجالس ويتناقلها العوام.

بالأمس صرخ كميل بأعلى صوته ونار البوعزيزي تشعل كيانه، يلثم جراحه وأناته، يعلنها مدوية في وجه الجهاز والفساد، لا صمت ولا جبن ولا عيون تنام بعد اليوم. بالأمس اخترق كميل جدار الصمت في عصر السحق والعصر، في ليل القهر إذ يشكو القهر، يلعن كل دساس ووسواس وخناس، يدين كل آسن آجن إعتلى القمة، من البطيخ العفن إلى الذهب الصديء وما خفي أعظم وأدهى وأمر، إذ إمتطوا الظلم واستباحوا الشرف والرفعة وسناء الوطن وشهامة العباد، أحاطوا بكل حر وهب نفسه للثرى وطيب المأوى والمثوى.

بالأمس عقد كميل وحيداً أولى جلسات المحكمة، بالأمس دعى شعباً أبياً منع من الأحلام منذ ميلاده، خلع القيد من معصمه وألقى الخوف من أعماقه، رماه في ذات حمام الصُنان والأسن، ما عاد يخشى أن يبوح السر بالسر، ما عاد يشك بالمساحة البيضاء بين السطر والسطر، إنما أصبح اليوم يردد شعر مطر ونزار ودنقل وإقبال ومظفر النواب، يسكب الشهد على مدمع القافية، ينتظر شعاع الفجر عندما يدنو ويزف، بلهفة يرقب الأفق ليستجيب القدر ويزهر الربيع. ما عاد كميل يسأل عن الخبز والجوع أو يفزع من المسير بين الرحم والقبر في هاتي الدنيا الرثة، ما عاد يكترث لقذارة الحمام وطنين الصمت أو يهاب هذيان النعش والكفن.

د. عبدالله الزعبي.

2 تعليقات

  1. شكرا على هذا البوح الرائع ونقول أن هذا الشاب وأمثاله من الاردنيين ضحية لكل المغالطات التي سادت المشهد منذ انطلاق المشهد واقتسام الغنيمة بين من هم ليسوا ابناء التراب بحجة البعد الاكبر من الحدود والانتماء الاكثر من الجدود ولا نقول الا الصبر الصبر يا اردنيين فالقادم اصعب ولا حول ولا قوة الا بالله ؟؟؟

  2. كلام راقي جداً
    يعيش كميل
    ويسلم لسانك يا دكتور