الرئيسية / اخبار / غزّة تغزل نشيدها: موت وحريّة

غزّة تغزل نشيدها: موت وحريّة

تامر خورما – “لا يستطيع الصوت أن يعلو على الغارات في هذا المدى.. لكنّه يصغي لموجته الخصوصيّة: موت وحريّة”.. سرمديّة هذه الصرخة المختنقة بغصّة النكبة المستمرّة، أبت إلاّ أن تتردّد في هدير دماء غزّة، مع كلّ شهقة تحاول اختزال هذا الزمن المكلوم، منذ أن نطق محمود درويش شهادة “مديح الظلّ العالي”، إلى يوم تبعث فيه الضمائر حيّة.
“الشاعر افتضحت قصيدته تماما”.. واليوم تتعرّى ذات القصيدة أمام أعداد لا تحصى من البشر، المترامين من بحر الظلمات إلى خليج المحروقات، بل وفي شتّى أصقاع الأرض، لتشهد تعميد الحريّة بالدم على مذبح غزّة، والضمائر لاتزال مكدّسة في أجداثها.
في غزّة باتت الدماء أوراق لعبة انتخابيّة قذرة، يسفكها اليمين الصهيوني كلّما مالت الرياح بغير ما يشتهي، والعالم بوم أخرس، وبلاد العرب أوطاني! وغزّة تقاتل وحدها، حتّى رفاقها في المقاطعة برام الله مازالوا على قارعة انتظار المنّ والسلوى من العم سام!
متى وكيف أصبحت الأرواح بهذا الهوان! هل هي مجرّد أرقام يحصيها الإعلام عند كلّ محطّة موت تفرضها رغبة سياسيّ محتلّ بالوصول إلى السلطة؟! هل بات قدر غزّة أن تقاتل وحدها بلحم أبنائها وبناتها، والكون بأسره جثّة صمت هامدة، تنبح بين الفينة والأخرى بشعارات حقوق الإنسان، وتخرس عند غزة؟!
لنقل أن “الغرب الكافر” بارد كثلاّجة الموتى، ماذا عن الملايين في أبناء جلدتنا، هل أراحوا ضمائرهم بـ “نضالاتهم الفيسبوكيّة”، وبنشر صور الشهداء، وتداول مقاطع “الفيديو”، وتصدير المواقف عبر منصّات التواصل الإجتماعي؟! هل ستوقف ثورة “فيسبوكيّة” كلّ هذا النزيف؟!
في الأردن مثلا يتجاوز عدد الأحزاب السياسيّة ما يوجد في دولة كالولايات المتّحدة، ولدينا من النقابات ما يشمل حتّى قطاعات غير موجودة بوصفها شريحة طبقيّة، والمنظّمات الدوليّة غير الحكوميّة، ومؤسّسات “حقوق الإنسان” الدوليّة يصعب حصرها في رقم، فأين هو نبض الشارع وصرخة “الطليعة”؟!
دمنا رخيص عند الرجل الأبيض. فهمنا ذلك قبل حتّى أن نولد، ولكن ماذا عنّا نحن، أبناء الدم والمصير المشترك؟ الرسميّون مشغولون على ما يبدو بحفلاتهم ومنتدياتهم ومسرحيّاتهم الإعلاميّة غير المجدية، ولكن ماذا عن الموقف الشعبي، الذي لم يرتق حتّى إلى أضعف الإيمان، أمام كلّ هذا الدم النازف!
لماذا ينبغي على غزّة أن تقاتل وحدها؟ لا تكاد تمرّ محطّة أو منعطف سياسي غرب النهر، إلاّ ويبدأ العدو بقصف غزّة.. والعالم -ونحن جزء منه- إمّا دجّال أخرس، أو مهرّج على شبكات التواصل الإجماعي