الرئيسية / كتاب الموقع / عين الود والرضا 

عين الود والرضا 

عين الود والرضا

د. عبدالله الزعبي.

ألا دبَ إليكم يا قوم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء، حتى يكون البغي، حالقة الدين وماحقة الخير والرشاد، ألا أن عقبى المتقين كانت دار الخلود إذ جعلت للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والناس لا يزالون بخير ما لم يتحاسدوا، ما لم يأتوا بحسد من عند أنفسهم على ما آتى الله عباده من فضله،

أفلا يدعوا لهم بالبركة فإن العين حق. يا قومَا لا تتباغضوا ولا تحاسدوا، بل اذكروا صد الباطل للرحمة المزجاة إذ قالوا شاعر أو ساحر، أليس من الحسود تكون السخرية والاستهزاء، وأنكم لا تؤمنوا حتى تحابوا، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وإياكم وسوء ذات البين، فأحبَ للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، وأن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن تقول خيراً أو تصمت، وهل يستوي كف بغير بنان، فمثلهم في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، “ولو تراحم الناس لما كان بينهم جائع ولامغبون، ولامهضوم، ولأقفرت الجفون من المدامع، ولاطمأنت الجنوب في المضاجع، ولمحت الرحمة الشقاء من المجتمع كما يمحو لسان الصبح مدام الظلام”.

أخ البِشر، ذكرك أخاك بما يكره إن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بَهَتَّه، وليس الذّئب يأكل لحم ذئبٍ ويأكل بعضنا بعضاً عياناً، فالغيبة مضغة طالما تلمَّظ بها اللئام ولفظها الكرام، يستدلل بها عيوب الخلق وتصرع أهلها، فلا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً، شناعة تعافها النفس وتنفر منها، والغيبة أقبح والتجسس، والظن فبعضه إن لم يكن جله إثم، وويل لكل همزة لمزة، شهد به الذكر وسورة القلم، هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم، عُتُلّ جافي شديد في الكفر والقسوة، زنيم لئيم مجهول النسب دعي.

إن عين البغض تبرز كل عيب وعين الحب لا تجد العيوب، عين الرضا عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي المساويء، عين تنطق والأفواه صامتة حتى ترى من ضمير القلب تبياناً. ألا ليتما العيون ترى اليوم الحب والرضا وتنطق صمتاً وضمير القلب بائناً أبيضاً. ألا ليت تكلأ النفوس عين الود والرضا، تغمرها محبة إذ تخلف العدل، ويجعل الرحمن وداً، وتصبح القلوب بنعمته إخواناً، بريئة من الأضغان تنبذ كل عصبة تأتي إفكاً، تغرس المحبة في مأتم البغضاء، تمحو من المهجة الألم والبؤس والأحزان، وتزرع لكلِ أملاً وبها تحفظ الأوطان.

د. عبدالله الزعبي.