الرئيسية / كتاب الموقع / عامان وما زال القلب يبكي”

عامان وما زال القلب يبكي”

حمد هلال الزعبي
قبل عامين ، وتماماً قبيل شهر رمضان المبارك .. هبطت الطائرةُ في مطار الملكة علياء في عمّان .. جوّ من الحزنٌ والحرقةٌ يكتنفني .. هذه أول سفرة لي أرجع بها الى الأردن موقناً تماماً بأنّ والدي لن يستقبلني مثل كل عام .. مرضَ فجأةً والآن هو في غيبوبة .. !! وبينما كنت أقف في طابور ختم الجوازات داخل المطار .. عادت بي الذكريات إلى السنوات الماضية .. حينما كنت أرجع من السفر، فأجد والدي الحبيب الذي اعتدتُ دائماً أن يكون هو أول من يستقبلني فور وصولي البيت .. كان يخرج الى ساحة البيت ووجهه مليء بالفرح والابتسامة .. فرحاً برجوعي ووجهه كلهُ يضحك .. يقول مبتسماً بصوتٍ جهوري: “أهلاً أبو كرم .. نوّرت الرمثا .. ” كيف سأرى والدي الآن وهو في الغيبوبة ؟! كيف سأحتمل ذلك المنظرَ القاسي لذلك الرجل الشجاع الذي استسلم الآن بقوتهِ المعهودة وصلابته الشديدة للأجهزة المتصلة بجسدِه بأنابيبها المتشابكة .. ؟!!
توجهت مباشرةً من المطار الى مستشفى الملك المؤسس حيث يرقد أبي هناك .. وكم كان الموقف مؤلماً .. دخلت قسم icu الموجود في أحد الأدوار العليا للمستشفى وكان اخواني حفظهم الله هناك، مشيت نحوَ السرير الذي يرقد عليه رحمهُ الله تعالى .. وإذا بهِ ساكنٌ تماماً .. لا صوت ولا حركة عنده، لا تسمع شيئاً غير أصوات الأجهزة التي تراقب دقات قلبه وتنفسه .. أينَ أبي صاحب الصوت الجوهريّ والحركة الدائمة .. أينَ أبي .. أبي العصبيّ الأبيّ .. أينَ هو !! أذهلني ذلك السكونْ الذي هو فيه . كم كان الموقف قاسياً ومؤلماً !! .. اقتربت منه .. وقبّلت رأسه .. وقلت له وشيء بداخلي يقول لي سيسمعك : “يابا .. اني محمد وهاي وصلتي من السفر .. ” .. وانهرت بالبكاء   كنت أرغب بأن يرد عليّ .. رغبتُ بأيّ شيء منه .. بأن يقول لي كلمة واحدة .. او حتى همسةً أو حرفا واحدا .. لم يجبني بشيء .. كنت أرغب بشيء محسوس منه يعيد لي أبي القويّ .. اقتربت منه أكثر فمسحت حبات العَرَق من على جبينه براحة يدي اليمني .. شممتها وعبقت رائحتها الزكيّة في داخلي وازددت بكاءاً .. نعم هي رائحة أبي الزكية النديّة .. آهٍ ما أجمل رائحته ..! فمسحت بحبات عرقه وجهي .. شعرت ببركتها حلّت عليّ .. نشوةٌ من الفرح اجتاحتني لأنني أخذت من جسده شيئا وألصقته في جسدي …
رحمك الله يا مهجة القلب

2 تعليقات

  1. الله يرحمه و يجعل مثواه الجنة

  2. الله يرحمه ويجعل مثواه الفردوس الاعلى يالله