الرئيسية / كتاب الموقع / صفقةُ القرن بأقلام مُنْكَسِرة والتاريخُ يبندب

صفقةُ القرن بأقلام مُنْكَسِرة والتاريخُ يبندب

إبراهيم صالح صدقة
بينما اندهاش القوم قائم يجول النظر في محالٍّ سكن فيها قوم أعزة، مفترشين صدى آثار ٍكان لهم فيها يدُ بناءٍ صامد ومقاوم عصورًا زهية، وإذ في كل مرة عن ظَهْر يَدٍ نرى العُلْقَة العَرَّابة “رئيسة الاحتفالات الدينية/ المحْفَل” تسوق لِلزّار “شخصية محل تقديس كالأرواح والجن” هدية، كان على إيقاع رقص يُرتجى للمريض فرصة يُقَدِّم على آثارها البقية، بالرغم من “فلا نحنُ نُكْديِها ولا هِي تُبْذُل”.
الزّار كما عهدنا يخرج نازِعًا يَدًا بزعمه أنه مُتَلَبس التليد من تاريخ شَكْلًا وهوية. والمندهشُ يرى في العرّابة سببًا فيما حَلَّ به تَفَرَّقَت أيْدِي سبأ. لأن العرابة ساقت عنق التاريخ ليَّا حتى كِدنا لا نرى الزّار على مَن سِواهُ يَدًا بغية. وما ذلك إلا أنها استرَقَت نفسها للبَغْيِّ لتكون آلة إنتاج وأداة زينة، فتُخْرَم الأذُن إيذانًا للعبودية. ولكن لِما فعلت بنفسها هذا الأسى؟ هي ناظرة في التاريخ أن العدو يُحْسِنُ للجواري يمنح سُلْطانًا وبقية. ألم نقرأ “ويستحيون نساءهم”! بالرغم من أن الله بَشَّرَنا أنه والأشياع متفرقون أعداءٌ إلى يوم القِيامَة. هل هي ناظرة إلا البَشْعَة “قطعة مستديرة من الحديد لها مقبض توضع على اللسان؛ لمعرفة المذنب من البريء” حارقة لسانها أم هي “ولكن الله سَلَّم”!
الخوف يلاحقنا إنْ هي مَثَّلَتِ الثقافة مجازًا مُرْسَلًا أو جعلتها نموذجًا تمثيليًا يحتذي النَّشْءُ بها. نخالها بين قطبين متأرجح هواها: رغبة في تجذير معنى لوظيفة، ورغبة في التأسيس الفرد لجماعة. قائم حراكها على التناقضات موهمة أنَّ فَهْمَهَا للقصد يؤدي إلى كبح القضية. هل في حسبانها أنها ناقضت حق الإله سلطة بما مارست تيهًا وبغيًا. فنحن بـ “ضُمُّوا نَواشِئَكم في ثَوْرةِ العِشاء” متمثلين كما تربينا. نخشى بيت العنكبوت فهو لا يعلق به إلا كائنات تضاءلت تيهًا وعنجهية.
كأن المريض المرتجى يُراد منه أن يدفع المال لها لأجله “الزّار” حتى ما أوى، مَوْهُومٌ أنه مأخوذ بـ “نَظْرة من ذي عَلَق”. في خلده أن البقا(ء) خير من الفنا(ء)، فراح في حالةٍ يبذل لأجلِ وعدٍ قد هوى. لو أدرك المريض أن الزّار عن آيات الله انسلخ فأتْبَعَه الشيطانُ فَغَوى، وكان من حُسْن أمره أن يُرْفَعَ ولكنه أخلد إلى الأرض مُتَّبِعًا الهوى، فما هو إلا كلب لاهثٌ حَمَلْت عليه أم لم تحمل. فزد من قبح أمره إنه عليل العين وسط.
ما شأن المريض مَعْقودٌ العزمُ عليه، رجل عاقل أديب فاهم، هل عساه مع أدبه كان مخرومًا مُجازفًا وبلغ به حُمْق الجنون ألْوانا، فسألناه مذ كم صرت بهذا؟ فأنشأ يقول:
جَنَنْتُ نفسي لكي أنالُ غِنى فالعقل في ذا الزمان حرمان
يا عاذلي لا تلم أخا حمق تضحك منه فالحمق ألوان
أيها التاريخ ما بك صامت عساك ذُهِلْتَ أو بك عَيَا، قام ناثر التُرْب انتفاضًا إلى الورى، فندب: إن العلم ما بقى – إلا ألعوبة لمن ارتضى – بصفقة القرن التي عَلَت – بأقلام انكسرت هوى.