يثير الظهور الجديد لتنظيم داعش في مناطق كان قد خسرها في العراق، اسئلة عديدة حول قدرة التنظيم على تجميع فلوله واعادة بناء ذاته وتأسيس قاعدة انطلاق جديدة لعملياته الارهابية. وفي الوقت ذاته يرى خبراء في شؤون الجماعات الارهابية، ان ذلك الظهور ما هو الا محاولة استعراضية من عناصر التنظيم تستهدف الدعاية وبث الروح في اوصال خلايا الارهاب المتقطعة والمعزولة والتي اصبحت بلا قيادات حقيقية بعدما اختفت كل الاطر القيادية الكبرى لداعش.

فقد تنظيم داعش الارهابي حوالي 98% من مساحة الاراضي التي كان يسيطر عليها في كل من سوريا والعراق، ولم تعد له سلطة فعلية الا على بعض الجيوب المتباعدة في البلدين اللذين يعيشان في حالة عدم استقرار امني كبيرة. وهو ما يستفيد منه التنظيم في محاولاته اليائسة لاعادة تجميع صفوفه التي تمزقت ولم يعد لها ترابط تنظيمي بالمعنى الحقيقي. كما ان القيادة الفعلية لداعش لم يعد لها وجود على ارض الواقع، فهي اما لقت حتفها او اختبأت في مخابىء معزولة، وبالتالي لا تأثير ولا سيطرة لها على الميدان. حتى ان زعيم التنظيم الاول ابو بكر البغدادي راجت شكوك كبيرة بشأن مصرعه طوال اكثر من عام ظل خلاله مختفيا قبل ان يبث رسالة صوتية بمناسبة عيد الاضحى الماضي، استهدفت، على ما يبدو، الاعلان انه على قيد الحياة.

ازاء هذا الواقع الذي وجدت خلايا التنظيم نفسها فيه، سعت بروح يائسة للقيام بنشاطات توحي بان التنظيم ما زال على قيد الحياة وانه قادر على العودة للواجهة مجددا. وقد تكون رسالة البغدادي في عيد الاضحى المبارك ردة فعل على تحركات بعض الخلايا وقطع الطريق على اي قيادات بديلة قد تتشكل نتيجة تلك التحركات. فهو كان قد اختفى عن الانظار لاكثر من عام مع جل قيادات التنظيم التي اختبأت حماية لنفسها تاركة فلول التنظيم تتخبط وتواجه مصيرها بنفسها كما هي عادة كل قادة الارهاب الذين يلقون بالشباب المغرر بهم في اتون النار ويبقون هم بعيدا قدر استطاعتهم.

ومع ذلك ورغم ان التنظيم الارهابي فقد كل قوته الحقيقية التي امتلكها منذ سيطر على الموصل ومساحات واسعة من سوريا، يبقى الخطر ماثلا في ايديولوجيا الارهاب التي تبثها عناصره عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الايديولوجيا التي خلقت العديد من الذئاب المنفردة التي تنتشر في اماكن كثيرة وتنتظر الفرصة لازهاق ارواح بريئة اينما تمكنت من ذلك. وما جرى مؤخرا في الفحيص والسلط يندرج في هذا الاطار حيث لم يكن لمنفذي تلك الجرائم الفظيعة اي ارتباطات تنظيمية بداعش لكنهم حملوا فكرها المنحرف ونفذوا مخططاتها الاجرامية ضد المجتمعات الآمنة. وهذا ما يتطلب مواصلة جهود محاربة التطرف والارهاب على شتى الصعد السياسية والتربوية برفقة الجهود الامنية – العسكرية.

هذه الجهود واستراتيجيات مكافحة الارهاب على المديات القصيرة والمتوسطة والطويلة هي العامل الحاسم لاندثار داعش والفكر المتطرف وعدم نهوضه مجددا.