الرئيسية / كتاب الموقع / حرّب الربّ

حرّب الربّ

فايز الفايز

حتى نهاية العام 2019 كان نصف العالم يعيش برخاء ودعّة ورفاه اجتماعي وتسلية، فيما النصف المتأخر يعيشون في ظلمات الحياة ما بين فقر مدقع وأمراض لا يعرف طريقها طبيب وحروب مدمرة قاتلة، لم يكن العالم الأبيض يهتم لما يحصل في منطقة الشرق الأوسط من قتل بالآلاف، وقبلهم أفريقيا السوداء إذ الموت يتخطف الأبرياء على أيدي الجيوش والمليشيات، وفي شرق القارة الآسيوية كانت أكبر مجازر العصر ضد مسلمي الروهينجا وبعض مسيحييهم على يد البوذيين والقوات البورمية، وكان العالم الحرّ يتوزع بين أكبر مصدرين للدخل السريع، النفط والسلاح، الأقلية تبيع السلاح الفتاك للدول المتقاتلة والأكثرية تعيش في غرف جهنم،حتى جاء وباء كورونا.

الرئيس دونالد ترمب جاء ليخلصّ القدس ويعيدها إلى «بيلاطس البنطي» وكأنه يركب فيل أبرهة،وبيده اليمنى سيف بتّار واليسرى صولجان الملك، فحاصر نفسه بمجموعة من اليمين المتشدد كل بديانته،وعمد الى سياسة الترهيب ودعم العرق المتفوق وجلب الأموال بطريقة السطو السياسي والتهديد والوعيد،ولم ينشغل بالقضايا الكبرى التي تهدد العالم كما انشغل بدعم صديقه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ضد خصومه من اليسار ويمين الوسط، وأغدق عليه بالعهود الآلهية مشفوعة بفرمان القرن،بينما انسحب من معاهدة باريس للمناخ وألغى قانون سلفه أوباما للرعاية الصحية، وأنكر أي خطر قد يشكله «الفيروس الصيني» حسب وصفه.

فجاء للبشرية صاعق ضعيف خارق،عدو لا يرى، جندي من جنود الله الذي لا يؤمن كثير من الناس بقدرته على قهر البشر دون معركة ولا ينزل ملائكة لتقاتلهم، كل ما في الأمر أنه أمر بكن فكان، فاجتاح العالم فيروس لا يرى بالعين،محسوس غير ملموس، وكأن الله تعالى يقول: هاكم إقرأوا كتابي وفيه آية تذكّرهم «وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر»، فماذا فعل بالدول العظام والجيوش التي لا تنام والقوى التي لا تضام إلا أن جعلها في رعب وحزن شديدين، فهل استيقظوا من غفلتهم أم لا زال بعضهم في غيّهم يعتهون.

نعم إنها حرب الرب، لهذا دعا ترمب للصلاة، والله قدر أن تتحول أموال الأسلحة الى صناعة الدواء وإدامة الغذاء والانكباب على البحث العلمي واعتماد النظافة الشخصية التي لا يقرّ بها نصف الكرة الأرضية ولا نظافة المأكل والمشرّب، فاجتمعت العائلات بعد فراق،وتعلمت كيف توفر بدل البذخ،وأصبح إحساس الناس أكثر رقة، وتنادى صندوق النقد لدعم الدول العاجزة، كل ذلك بسبب مخلوق لم يره أحد،فكيف لو وقعت السماء على الأرض !

دول عظمى كالولايات المتحدة ومثلها بريطانيا لم تستطع حتى الآن التنبؤ بمستقبلٍ يمتد لأشهر قريبة، ومع هذا عجزوا عن وضع قيود لكبح جماح الانتشار والوفيات، بينما الهند قررت حجر 700 مليون مواطن، ودولة صغيرة محدودة الموارد كالأردن، على بركة الله، قامت بما لم تقم به الدول السبع الكبار مقارنة مع إمكانياتها،واتخذت إجراءات وتدابير ولو كانت متقشفة ولكنها بنتّ جدارا ناريا يمكنه من حصار انتشار الفيروس،وواجب الدول العربية والصديقة أن تدعمها للإبقاء على هذا الجدار، وواجبنا أن ندعمها نحن بانضباطنا ولا نعاند ولا نخالط وأن نتهيأ لما هو أسوأ إحتياطاً، فمن لم يمت جوعا قد يموت بالعدوى، ولنختار حينئذ ولله الخيرّة.