الرئيسية / كتاب الموقع / ايام الإبتدائية والحلم

ايام الإبتدائية والحلم

 

الدكتور عبد الله الزعبي

كانت الطفولة ايام الإبتدائية تغمرها البراءة وتشدو للحياة أغنية الأمل على أوتار الموسيقى والأماني، تراها عند الصبح في ساحة المدرسة وهي تعج بالضوضاء واصوات تعزف الحان الهرج والفوضى، يملأ العيون قذى النعاس وتغمضها تثاؤبات التعب والعتب. كل صباح، كانت تلك الطفولة تستجمع طاقتها التليدة وتطلق قوتها في رحاب الوغى، تكاد تنظم صفوفها بعفوية وتسن سيوفها على أنغام ناي اللهو ومتعة اللعب وقطعة الحلوى، ثم تنطلق إلى غرف مكتظة ذات سقوف تطاول السحاب، تمكث فيها طويلاً، اسمتها الصفوف خطاءً عن قصد، فيها يلفح الأجساد الغضة قيض الصيف ويقرصها برد الشتاء ويتناوبها التوبيخ والعصا. كم أية من القرآن حفظنا معاً، كم قصيدة لشوقي وحافظ وشاعر الشجرة وأبي تمام والمتنبي، كم أنشودة مثل أوطان العرب شدونا وكم جملة أعربنا بعد أن عذبتنا، كم ضحكة ونكتة مشاكسة وكم مرة معاً بكينا.

هكذا عشنا الطفولة ومسيرة الدرس عندما كنا يوماً صغاراً، نحفر اسمائنا على المقاعد الخشبية المهترئة لعلها تخلد الذكرى أو تتذكرنا. كنا حينها نقترف كل موبقات الحسنى ونرتكب جميع أخطاء الطهر والنقاء، نعرف أسماء بعض وكافة الألقاب المهينة، نحفظ تواريخ الميلاد وهوى الحبيبة وتفاصيل الحلم وهواجس الكابوس والامتحان والأكلة المفضلة وعدد الوجوه وأسرار الآباء ولون الملبس وشكل الطموح وملامح الغد والأمل. كنا معاً نستذكر عن ظهر قلب العفوية حروف العلة في الأمة ومكامن الوجع، نتلو آيات المحبة والأسى في مدامعنا ونهفو إلى سلوى الملعب والكرة والقفز فوق حواجز الخجل، نبدد طاقة بقيت حبيسة أرواحنا طيلة السنين والحكاية. التقصت مذئذ ارواحنا وانصهرت في إناء السلام والإحسان حتى غدت قصة مكثت في اعماق النفس عجزت عن محوها مسارب الدروب وجفا الأيام ومخالب الزمن. وعندما نتسامر عن مقتبل الأيام والمهنة أو الوظيفة، كنا نقصدها لهواً ولعبة وتسلية حميمة، تطربنا الأجوبة وتلهب خواطرنا عذرية البراءة وعبقرية الطفولة وسخريتها الحادة.

اليوم توشك الرحلة المثقلة بالندم أن تصل محطة النهاية، تعزف لحن الرجع الأخير وتسدل الستارة عن معلقات الكلمة وملحمة الصمت، تستذكر أجوبة الطموح ذات طفولة، تنعي على صفحات الحسرة ذاك القذى في مقلة العمر وتلك التثاؤبات التي سكنت ساحة المدرسة ولم تغادرها قط، تبحث عن وجوه تشتاق لها لتبدأ ثانيةً رحلة الحلم.

د. عبدالله الزعبي.