الرئيسية / كتاب الموقع / السيف و الفيس!!!

السيف و الفيس!!!

الدكتور ناصر نايف البزور

الجدلية الأزلية بين أنصار سطوة الفكر و الكلام و أنصار هيمنة الفعل و الحسام باقيةٌ إلى أن يرث الله الأرض و مَن عليها…فالشاعر الإغريقي يورِبِديس انتصر للسان على الحسام حين كانت المشافهة الأكثر شيوعاً في نقل الفكر فقال قبل ألفين و خمسمائة عام قولته المشهورة التي ذهبت مثلاً سائراً: “The tongue is mightier than the blade” أمّا شاعر العرب المتنبّي فخالفه و نافح عن سطوة السيف على الكتاب قبل قرابة الألف عام فقال في حكمته المعروفة: “السيف أصدق أنباءً/إنباءً من الكتب…” أمّا المسرحي و الروائي الإنجليزي إدوارد لايتن في القرن التاسع عشر فقد حاكى سلفه يورِبِديس بعد أن انتشرت الصحافة فاستعاظ عن اللسان بالقلم و صاغ المثل الإنجليزي المعروف: “The pen is mightier than the sword” و اليوم و بعد أن أصبح الفيسبوك هو وسيلة التواصل الآولى و قد ناب عن اللسان و عن القلم؛ و بما أنَّ “فيس” و “سيف” يشتركان في جميع حروفهما مع عكس الترتيب؛ فحقَّ لنا أن نُعيد صياغة المثل الإغريقي و العبّاسي و الإنجليزي ليُصبح على النحو التالي: الفيس أشدُّ فتكاً مِن السيف… و بذا فقد يذكر التاريخ يوماً ما أنَّ شخصاً اسمه ناصر البزور أوردَ هذه الصياغة لأوّل مرّة عطفاً على يورِبِديس و المتنبّي و لايتن 🙂 🙂 🙂 ليس هذا هو بيتُ القصيد على الإطلاق… 🙂 فبيتُ القصيد هو أن نتفكّر فيما يجري حولنا: كيف استطاع الناشطون باستخدام وسائل التواصل كالفيسبوك القيام بثورة في مصر؛ و كيف استطاعوا منع إقامة مباراة الأرجنتين مع دولة الاحتلال؛ و كيف استطاع أردوغان إحباط محاولة انقلاب عبر هاتفه الذكي؛ و كيف تغلّب دونالد ترمب على منافسته كلنتون بفضل مواقع التواصل؛ و كيف تزدهر أسهم أسواق المال العالمية أو تنهار بسبب تغريدة لشخص مسؤول… 🙂 بل و لربّما زعمنا إلى حدٍّ ما كيف أصبح الدكتور عمر الرزّاز رئيساً للوزراء بسبب إجادته للتواصل مع شرائح المجتمع عبر الفيس…. 🙂 فمتى سيدرك وزراؤنا و كبار مسؤولينا و صغارهم أنّ الإنترنت و وسائط التواصل الاجتماعي قد تُعينهم بنسبة 80% على إدارة مؤسساتهم و حلِّ الكثير من المشاكل… و لقد سمعنا جلالة الملك و هو يفضح بعض الوزراء النائمين الذين يرقدون في مكاتبهم و لا يزورون المحافظات و لا يستمعون إلى هموم المواطنين… 🙁 فكيف يكون الحال عندما نعلم أنّ هناك بعض المسؤولين الذين لا يُغادرون حدود مكاتبهم و لا يستخدمون بريدهم الإلكتروني و لا يعرفون كيف يستخدمون وسائل التواصل و لا يؤمنون بها؛ فالفيسبوك من وجهة نظرهم الجليلة “فسق”… و توِتر “تضييع وقت”… و البريد الإلكتروني “حتشي فاضي”… و اليوتيوب “همالة” 🙁 فالكثير مِن هؤلاء لا يعرف كيف يُحمَل السيف و لا كيف يعمل الفيس…. يعني “مثل مصيّفة الغور” 🙁 و الله أعلم و أحكم..