الرئيسية / كتاب الموقع / الرمثا تاريخاً وواقعاً

الرمثا تاريخاً وواقعاً

د. عبدالله الزعبي.

دفعتني فرصة تجمع العائلة في العيد المبارك في بيت والدي في الرمثا إلى الحديث مع شبابها اليافع عن أوضاع المدينة والتطرق إلى موضوع الإنتخابات، فسألت من هم في بداية العشرينات، عن الدافع الأساسي الذي يجعلهم ينتخبون شخصاً بعينه؛ فكان الإنتماء القبلي هو المحرض الرئيس لخياراتهم ودون منافس. لقد ذقت مرارة تلك الحيقيقة الصادمة بالأمس كما ذقتها منذ 16 عاماً عندما خضت تجربة فاشلة في الإنتخابات النيابية عام 2003، وأدركت، رغم عنادي وإيماني بالوطن والأمة، بأن طريق الخلاص والصلاح ما زال طويلاً، بل يزداد صعوبة ووعورة وقسوة، وأجد لزاماً عليً أن أوضح جانباً من تاريخ المدينة لعل الجيل الجديد يجد فيها ما يوضح لهم معالم الحاضر والمستقبل.
تشير الدراسات الأثرية أن منطقة الرمثا كانت مأهولة منذ العصرين البرونزي والحديدي حيث عثر على تنقيبات في منطقة حلحلة غرب المدينة تعود إلى ما يقارب 3200 عام، ثم عرفت عند اليونانيين بإسم راماثا، وربما يعود تسميتها بالعربية إلى الأرض التي ينبت فيها شوك مراعي الإبل، حيث منطقة الرميث حول وداخل جامعة العلوم والتكنولوجيا من جهة الشرق، أو إلى الكلمة السريانية التي تعني العلو والارتفاع. كان للرمثا أهمية اقتصادية عبر العصور بسبب خصوبة اراضيها الزراعية وإتساعها؛ فشكلت، مع بقية مناطق حوران، مخزناً للحبوب والأنعام للأمبراطورية الرومانية ومن بعدها العثمانية. كما مثلت المدينة محطة رئيسة على طريق قوافل التجارة والحج، وتبوأت موقعاً مهماً في اثناء حكم المماليك للشام ومصر في الفترة (1260-1516) حيث شكل الأردن رابطاً طبيعياً بين جناحي الدولة، فإزدرهت عدة مدن منها الكرك وعجلون والسلط والرمثا، حتى بلغ عدد القرى فيه في القرن السادس عشر 400 قرية، بينما عدد السكان 35،000 نسمة تقريباً. ذكرت كتب التاريخ عدداً من الأعلام الذين أخرجتهم الرمثا من مثل احمد بن علي الرمثاوي (توفي 1369) وحسن بن علي الرمثاوي (توفي 1397) ومحمد بن موسى الرمثاوي (توفي 1398) وعيسى بن صبح الرمثاوي (توفي 1408).
تراجع موقع الرمثا وأهميتها وتناقص عدد سكانها حتى هجرت تماماً في بداية العهد العثماني حتى القرن الثامن عشر الذي شهد ركود الدولة وتدهورها. وربما أسكن الوالي العثماني إسماعيل باشا العظم أحد أبناء شيخ عشيرة الزعبي في حوران ويدعى إبراهيم الزعبي في مغارة في منطقة الكيال من اجل حراسة طرق الحجاج عام 1723،، كما تروي بعض الروايات. تطورت الرمثا منذ ذلك وظهرت أول دلائل للتاريخ الموثق بتعاون آل الزعبي مع الوالي العثماني (والمستقل أحياناً والمثير للجدل غالباً) احمد باشا الجزار (1734-1804) الذي زار الرمثا عام 1777 وبنى سداً للمياه في بركة المحاسي وضريحاً للشيخ إرشيد الزعبي. كما تشير الروايات التاريخية أن السلاطين العثمانيين أولوا اصحاب الطريقة القادرية الصوفية الأهتمام والرعاية لمعاونتهم ضد التهديد الشيعي والتمدد الوهابي فيما بعد، ولذلك حاز آل الزعبي على مكانة خاصة لديهم كونهم من نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني، صاحب الطريقة.
ظهرت أهمية الرمثا مرة أخرى عند سقوط الخلافة العثمانية وإنتشار الفوضى وتوالي هجمات البدو على القرى الزراعية، ما دفع رجالات الرمثا بقيادة الشيخ فواز البركات الزعبي (1875-1931) إلى التصدي لها ووقفها بصلح أنهى ما يسمى “حراب العرب” عام 1920 بوساطة من بني حسن. خسر أهل الرمثا بسبب تلك الحرابة مجموعة من الرجال والنساء من عشائر الدرايسة والخزاعلة والبطة والإبراهيم والداوود والهربيد والعزايزة والسقار والحمد والدردور والعبيدات وابو عاقولة والمخادمة والقطيشات وغيرهم، ومن ضمنهم عبد الكريم، نجل الشيخ فواز البركات، لكنها أظهرت قوة اللحمة القروية التي جمعت أهل الرمثا وشجاعتهم وتضحيتهم لصد الظلم والجور عن الفلاحين المستضعفين في كل أنحاء حوران وحتى فلسطين.
تعرضت الرمثا إلى نكبة حقيقية عند انسلاخها عن محيطها الحيوي في حوران عند وصول قوى الإنتداب الفرنسي إلى سوريا، لكنها اكتسبت أهمية جديدة عند نشوء إمارة شرق الأردن عام 1921 بوصفها منطقة حدودية انطلقت منها هجمات حزب الاستقلال، الذي تشكل من رجالات العرب من مناطق عربية مختلفة، على القوات الفرنسية لتحرير سوريا من نيرهم. اتسمت تلك الفترة بالغموض؛ إذ تفتقد المكتبة التاريخية في الأردن لسرد موضوعي عن بعض الجوانب التي تصف طبيعة العلاقة ما بين الدولة الجديدة والقيادات العشائرية في البلدة، التي كانت تعد ثالث أكبر تجمع سكاني في الإمارة بتعداد سكاني وصل 4500 نسمة، بعد كل من السلط (25000 نسمة) وعمان ( 6000 نسمة) حسب إحصاء عام 1923. لكن من الواضح أن أيدي الإستعمار، سواء البريطاني أم الفرنسي، تركت بصماتها على جريمة الفتنة التي استمرت فصولها سنوات عدة حتى توجت بالإحتراب الداخلي والإقتتال عام 1943، ما أدى إلى زرع شرخ ما زالت البلدة تعاني منه لغاية اليوم، إذ انقسمت الحزينة إلى جبهتين متقاتلتين مثلما داحس والغبراء. ويكاد العمر يمضي والفرقة تتجذر وتصبح جزءً أساسياً من ثقافة المدينة رغم الجيرة والصحبة واختلاط الدم وتقاسم الفرح والحزن واللقمة. تتعمق المأساة بشكل ملفت حين تعجز المدينة عن الإشتراك في صنع مستقبلها ومستقبل أجيالها وأجيال الوطن؛ وحين تخفق في ولادة رجل دولة واحد، سوى بعض 5 وزراء، معظمهم هجرها منذ الطفولة، وحين تفشل في إختيار نائب واحد دون سلاح القبلية والمال.
الرمثا ليست استثناءً عن غيرها، لكنها تستحق الأفضل، وتستأهل الخير الذي يجري في عروق أبناءها، وجديرة بالعرفان بحجم إنجازها وإبداعها، في العلم والرياضة والفن والثقافة والعمل والتجارة، في تاريخ آباءها وصبرهم وكفاحهم على الطرقات وفي الحقول والأصقاع البعيدة. الرمثا ما زالت تمارس الجنون عندما تزرع في العقول اليافعة أن الدم الأزرق أو الأخضر خير من العلم والمعرفة في إدارة شؤونهم، وتمثيلهم في عمان التي لا بواكي لهم فيها، عمان التي أضحت لا تسمع للضعيف لأنها مثخنة في همومها وفسادها. الرمثا تستحق غير الفوضى التي تعمها، والتعامي الذي يقودها، فليس للدم سوى لون أحمر أصبح يسفك على دروب العروبة، أما شبابها، الذي يشكل أكثر من 55% من نسيجها، فجدير بمستقبل أفضل من خرافات داحس والغبراء، وألاعيب المؤلفة قلوبهم إن أعطوا رضوا وإن منعوا سخطوا.

9 تعليقات

  1. هو … اول من سكن الرمثا هم الميايسة الحاجة صايمه مياس

  2. إلى يوسف الزحراوي . اول ناس سكنو الرمثا ال الزعبي كونهم اقدم عشاير حوران واول من فات هو شيخ ارشيد الزعبي .. اما عن الحمايل امثال المياس وغيرهم من الحمايل فهي فاتت قبل ٢٦٠ على حوران .

  3. بالنسبة لحرب عكا انتهت بتاريخ 1799 وكانت نفس السنة التي زار فيها الجزار الرمثا عرفانا بجميل فرسانها وخاصة الشيخ ارشيد الذي ابلى بلاءا حسنا في الدفاع عن عكا ضد الفرنسيين. وإلى جانب مزار الشيخ ارشيد قام الجزار بفتح عين المحاسي لابناء الرمثا وإجراء خرجية سنوية قدرها 100 ليرة مجيدية لتحسين الخدمات فيها.
    شكرا للكاتب وشكرا للرمثا نت على هذه المعلومات التي تزيدنا افتخارا وانتماءا واصرارا على ضرورة توحيد الصفوف وانتزاع حقوق ابناء الرمثا المظلومة.

  4. الى يوسف الزحراوي – بالنسبة لعشيرة المياس المحترم فهي من اوائل العشائر التي سكنت الرمثا ولكنها ليست الاولى كما انها من أوائل من سكن البويضة مع عشيرة الجراروة والديابات والسلمان والبطات مع حمد السليمان الفهيد( جد الداود في البويضة) حيث تم انتدابهم من قبل فواز البركات كخط دفاع أول ضد غزوات بني صخر في ذلك الوقت.

  5. من افضل ما قرأت عن مدينتنا الحبيبة الرمثا – نشكرك جزيل الشكر دكتور عبدالله راجين المزيد من هذه المقاللات مع التركيز على ضرورة رص الصفوف لاستعادة حقوق ابناء هذه المدينة المنكوبة في المناصب السيادية والرسمية – كل الاحترام

  6. معلوماتك غير صحيحة يا دكتور .أول من سكن ( خربة) الرمثا كان مجموعة من العائلات التي كانت تتنقل ما بين قرية الشجرة وسهول الرمثا (يمكن الرجوع إلى كتاب تاريخ الرمثا واللواء لمؤلفه الباحث فاروق السريحين رحمه الله) .

  7. الله يعطيك القوة والفكر النير دكتور -ابدعت الرمثا اصبحت الان واستبدل في القمح الحلال الى الحرام والمخدرات والتعطي في حي من احي الرمثا الجميل

  8. يوسف الزحراوي

    اكتب تعليقك هنا – تخضع جميع التعليقات للمراجعة قبل النشر من قبل فري الرمثا نت مع احترامي يا دكتور المعلومات غير دقيقه منها مثلا اول من سكن الرمثا هيه عشيره المياس

    • الزعبية اقدم من المياس في حوران والرمثا لانه الرمثا بل اساس كانت تابعه لحوران بهضاك الوقت والزعبية من اقدم حمايل حوران ولم يلبثو في مكان واحد بل تفرقو لجميع المناطق في حوران ومنها الرمثا