الرئيسية / كتاب الموقع / الدكتور عبد الله الزعبي.. رحلة الحظر والحظيرة

الدكتور عبد الله الزعبي.. رحلة الحظر والحظيرة

رحلة الحظر والحظيرة

قفز من سريره في الصباح كأنما أفاق من مس أصابه، يطارد الحظر في أزقة الإحساس، يحاصر بقاياه التي تناثرت على خريطة الوجدان ونقشت جراحه على جدران الفراغ. أخذ يلهث مع تسارع الخطى وهي تقص آثار الظل وتسابق أنفاس السدى، تجري وراء ضيف نحس حط رحاله في ديار وادعة دونما ترحاب ودعوة. آوى، حين تعبت ملامحه، إلى ركن الحديث، يقص على نفسه رؤى العمر في المنام والمسير، يحاكي فصاحة لقمان على صفحات الوجوه ومجاري اللسان، في لحظات حظر أطبق على التحظر كله وأنترنت جاب به مساحة الكون، فتح به أبواب الفكر وقلب معه أطرس الأمم وأطلس الإنسان في رحلته عبر خرافة الحياة وأسطورة الرحيل.

بقي مطرقاً رأسه ذاك الصباح ملقياً به على راحتيه كأنما ينتظر الرحيل، ثم أرخى رسن الخيال يجري وراء الحظر في زقاق السجن وطيات الهموم، ودونما جدوى،كاد يستنفذ ذاته وراء القضبان وتخمة الكتاب حين أضناه السبيل، يفتش عن كلمات ذات معاني ودلالة تلبست كيانه في رحلة السنين، لازمته مثلما قرين في اليقظة والحلم وحافة النسيان، يبحث عن الإنسان في أعماقه السحيقة وخباياه الدفينة، يتحرى عن الوطن حوله ومكانته، فوق التراب وتحت السماء، على قسمات الوجوه وفي بواطن القلوب. حار مع شلال الأسئلة الذي انهمر على الرأس وأنهك الدماغ؛ فإزداد إطراقاً في متاهة التيه، ومعه اشتد غيضه على الحظر حين أدرك أن الحظيرة كانت هنالك منذ أمد الميلاد، قد سكنت الروح واجتاحت العمر كله، منذ المهد والبداية وحتى أعتاب الوداع والنهاية.

فجأة، نهض منتفضاً يركض ثانيةً خلف الظل في لجة السراب، هرول مسرعاً حتى أمسك ذيل الحظر الذي يسافر في فضاء اللانهاية، لثم وجنتيه وقدم له الإعتذار، التمس الغفران إذ اعترف بالخطأ والخطيئة حين أغفل فضل الحظيرة على القطيع، ثم أقر بالذنب مرتجفاً، فهو لم يقرأ جيداً جملة روايات، من الجريمة والعقاب إلى مزرعة الحيوان، ومن أولاد حارتنا إلى كيف سقينا الفولاذ، لم يدرك جيداً أن أحداث الخيميائي كانت في رحاب الرمل والصحراء وجوار مدن الملح واؤلئك الرجال تحت الشمس الذين ما زالوا يطرقون على جدران الخزان. تبسم الحظر وربت على كتف المسكين، ثم تمتم بكلمات كاد يسمعها قائلاً: أي بني، إن الإنسان يصبح حراً فقط في اللحظة التي يريد!

د. عبدالله الزعبي.