ديمة محبوبة

  يتحضر أحمد نوفل للذهاب إلى مقابلة عمل، يصحو نشيطا، يستحم، يحلق ذقنه، يلبس بدلة اشتراها له أخوه الأكبر، يرش العطر، وينطلق من الباب، يسمع صوت غراب ينعق، فيتشاءم.
والدته بدورها، بدأت برش الملح على زوايا البيت منعا للحسد، وتحرق البخور سعيا للحظ الجيد، أحمد يشرب القهوة، فينسكب جزء منها على ملابسه، يستشيط غضبا، لكنه يتذكر أن “كب القهوة” خير، فيبتسم.
هذه اليوميات هي جزء من “الخرافات”، التي تعد من المعلومات المتناقلة بين الناس وتتوارثها الأجيال، ومنها ما أصبح معتقدا يؤمن به الجميع تحت مسمى “الخرافات المصدقة”.
بعض هذه الخرافات ما يزال جزءا من الحياة اليومية للكثيرين حتى في عصر تطور التكنولوجيا وثورة المعلومات، على الرغم من أن بعض الناس يتداولونها وهم يعلمون أنها خرافات، على اعتبار أنها والأمثال الشعبية لم تأت صدفة.
العشرينية هيفاء، كثيرا ما تمسك الخشب لتحقيق الأماني أو لإزالة الحسد، على الرغم من معرفتها بأنها خرافة؛ إذ كانت تشاهد والدتها وجاراتها يقمن بذلك، وهي تلجأ إليها لتشعر براحة نفسية. ويقال إن هذه الخرافة تعود أصولها للوثنيين؛ إذ استحدثوا مسك الخشب لمنع الحسد أو لتحقيق أمانيهم في المستقبل.
هيفاء تبين أن الأمر لا يقف عند هذا الحد؛ إذ تعلق والدتها أشكالا متعددة من “حذوة الفرس” فوق الأبواب بالمنزل لأنها قرأت أكثر من مرة أنها تطرد الأرواح الشريرة وتجلب الحظ الوافر، كما كانت جدتها تقوم بالأمر ذاته.
أما مرام وهي ثلاثينية، فكانت تعشق سماع الخرافات القديمة وتطبقها في حياتها كعدم سكب المياه ليلا أو النظر طويلا إلى المرأة حتى لا يسبب الجنون لها، أما أكثر ما كانت تعتقد به فهي رؤية العريس لعروسه في ليلة العرس التي تجلب حظا عاثرا وتفقد العرس بهجته.
هذه الخرافة، هي اعتقاد عام عند الغرب، على اعتبار أن ذلك يؤدي لمصيبة للعريس وعائلته، ويقال إنها تعود للعصور القديمة عندما كان الأهل يمنعون الزوج من رؤية الزوجة قبل العرس.
وفي هذا السياق، يؤكد خبير التراث نايف النوايسة، أن هذه الخرافات المتداولة وغيرها الكثير، جاءت من أزمان بعيدة جدا حتى أنها تعود إلى اليونان والعصور القديمة؛ إذ كان الناس يربطون الأحداث ببعضها وباتت خرافة تصدق ليومنا هذا من كثرة صدف تكرارها من مرض وفرح وسفر وموت.
ويذهب إلى أنه في الدول العربية تم الاحتفاظ بهذه الخرافات، وأحيانا أخذت من قصص دينية، لكن حيدت تماما عن القصة الحقيقية وجعلت منها خرافة.
وأضاف، أن الخرافات باتت موروثات يقوم بها الناس حتى وإن تبينوا بأنها مجرد خرافة، وذلك من باب العادة.
ومن ذلك ما تقوم به السبعينية أم علي؛ إذ تتفقد معازيم المناسبات، وتمنع تشابك الأصابع، وتوبخ من يقوم بها على أن ذلك يعبر عن رغبتهم بعدم إتمام الفرح.
هذه الإشارة يمكن اعتبارها عالمية، ومعناها يختلف من منطقة لأخرى، فهناك من يعتقد بأنها لتمني حصول شيء، وآخرون يقومون بها لدرء النحس.
وعلى الرغم من أن تلوث الثياب أمر غير محبب عند الجميع، إلا أن سحر تذكر أنها كانت يوما تسير إلى مدرستها وسط صديقاتها وكانت خائفة جدا من امتحان الرياضيات وتشكو همها لهن، والمفاجأة قبل انتهاء كلامها وشكواها سقطت فضلات أحد العصافير على مريول مدرستها ففرحت وأخبرت صديقاتها بأنها تفاءلت بالخير، ففضلات الطير تعني الفرح والبشرى والخير والرزق.
ومن الخرافات الأخرى التي تقوم بها هي ووالدتها سكب الملح في أروقة البيت وزاياه لبعد الحسد وقتل الشر ووضعه في عين الحاسد، فتقول “والدتي عاشت في رومانيا ولديها الكثير من الموروثات التي جاءت بها من هناك ومنها رش الملح وحتى لو كانت خرافة إلا أنها مريحة وتجعل الشخص يعمل ما عليه”.
ويحرص سيف عبد الرحمن على أن يضع مجموعة من السلاحف في الحديقة التي تحيط بيته لاعتقاده أنها تجلب الرزق والمال الكثير، في حين يمتنع عن وضع أحواض السمك رغم منظرها الجميل، لأنه علم من جدته أنها تقطع الرزق وتجلب الشر لزوايا المكان.
وتصرح أم سعيد حينما ترى أحد أبنائها نسي المقص مفتوحا، وتشعر بالرعب أن مشكلة كبيرة ستدخل منزلهم؛ إذ تبين أن نسيان المقص مفتوحا سيجلب بالتأكيد الشر لأنه تصادف حدوث ذلك معهم كثيرا، لذا هي لا تعتقد أنها من باب الخرافات.
وبدوره، يؤكد اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، أن بعض الخرافات ما هي إلا خطر على الناس ويجب الابتعاد عنها، فهي عبارة عن جهل حقيقي وأهمها الخرافات الصحية كتمليح الطفل أو تكحيل عينيه أو وضع البصل له أو تنقيط حليب الأم في عين الطفل لتزداد بياضا أو أنفه لتمنعه من المرض.
ويشير إلى أنها خرافات تعود بالدول إلى الجهل وتؤدي إلى المرض وقلة الصحة، في حين أن هناك خرافات تأتي من باب الفكاهة، مثل ربط الحذاء بالقرب من البيت أو قرص الفتاة لصديقتها المتزوجة حتى تلحقها، وهي ليست أكثر من عادة تقوم بها الفتيات أحيانا، لكن يتوجب معرفة الناس بالخرافة والحقيقة، وذلك عن طريق اكتساب المعرفة واستخدام العلم في ذلك.
ومن ناحيتها، تعتقد الخمسينية أم مراد، أن بعض الخرافات صحيحة ومنها حك اليد اليمنى والتي تعني أن مالا جيدا سيأتي، وإن حك اليد اليسرى يعني أن هناك صرفا للمال. وتعتقد أيضا أن زحف الطفل أو أحدهم على الأرض يعني أن هناك ضيوفا بكل تأكيد سيأتون إليها ولأنها دائما ما تتحقق من ذلك، وهي تخاف كثيرا من رؤية القطط السوداء التي تدل على أنها من الجن!
وفي الموروث الشعبي هناك خوف من القطط السوداء، التي أثبت العلم أنها كانت أكبر حجما بكثير، وكان لدى الناس خوف منها لأنها لم تكن في الجزء العلوي من السلسلة الغذائية؛ لذلك نشأت عدم الثقة في القطط.
ومع ذلك، في العصور الوسطى، كان القط الأسود علامة على أن الموت قادم، لذلك كان الناس يعتقدون أن مسارات عبور القطة السوداء، وكذلك الغراب الأسود، تشير إلى الحظ السيئ، وانتشر الخوف من هذه القطط، مما أدى إلى عمليات قتل جماعية لها.
وفي مجتمعنا الحديث، هناك عدد من الناس ما يزالون يخافون من القطط السوداء، وبعض الناس يعتقدون أيضا أن القطط السوداء ترتبط بالسحر والجن.