الرئيسية / اخبار / التسجيلات الصوتية تعصف بالعلاقات الاجتماعية

التسجيلات الصوتية تعصف بالعلاقات الاجتماعية

منى أبو حمور

عمان- لم تكن تعلم الثلاثينية هناء أحمد (اسم مستعار) أن مكالمة أجرتها مع أحد أفراد العائلة (سلفتها) ستكون سببا في إنهاء علاقتها الزوجية التي مضى عليها أربعة عشر عاما وتتسبب في تشريد أسرتها وتدفع بها إلى المحاكم.
العصبية والإحساس بالظلم اللذان كانت تشعر بهما هناء بسبب مشكلة عائلية حدثت معها جعلاها تتحدث بعفوية وتقول كل ما يجول في خاطرها، من دون أن يخطر ببالها أن تلك الكلمات التي تتفوه بها تعبيرا عن امتعاضها مما حدث معها ستكون سبب إدانتها أمام عائلتها ونهاية لعلاقتها الزوجية.
تستذكر هناء ما حدث معها “بعد مرور يومين من إجراء المكالمة جاء زوجي يستشيط غضبا يطلب مني ترك المنزل فورا”، وهي ما تزال مصدومة حتى هذه اللحظة مما حدث لها، ليفاجئها بعد سؤالها له عن سبب انفعاله بإسماعها تسجيل مكالمتها وهي تشتم وتصرخ وتؤنب عائلته.
غادرت والخجل يملأ وجهها ولم تحاول حتى هذه اللحظة أن تدافع عن نفسها، في حين بررت “سلفتها” ما قامت به بأنه من دون قصد.
برنامج تسجيل المكالمات ذاته تسبب بطرد الثلاثيني رياض خالد (اسم مستعار) من عمله بسبب رفضه القيام بالعمل الذي كلفه به مديره المباشر والذي اعتبره حسام ظلما كبيرا وله وخارج مسؤولياته في العمل.
حسام الذي يعرف عنه بين زملائه حبه الشديد لعمله وعدم التهاون به والتزامه باللوائح والتعليمات، تسببت مكالمة أجراها مع أحد زملائه عبر من خلالها عن غضبه الكبير من مديره ورفضه للانصياع لأوامره، بطرده بشكل نهائي.
لا يعلم حسام إلى الآن حقيقة نية ما قام به زميله بإسماع مديره تسجيل المكالمة التي كان فيها غاضبا وغير منتبه لما يصدر عنه من كلمات، واصفا مديره بأنه يغار منه ولا يريد له النجاح، منهيا مكالمته مع زميله بقوله “يا أنا يا هو” وما كان من المدير بعد سماعه التسجيل إلا إصدار كتاب فصله.
ومن جهته، يؤكد خبير العلاقات الأسرية مفيد سرحان أن الأخلاق والتربية الاجتماعية السليمة تتنافيان مع قيام الشخص بإفشاء ما يقوله له الآخرون من كلام في لحظة غضب سواء كان الكلام مسجلا أم لا، أو باستخدام وسائل “خبيثة” للحصول على حقهم أو حتى إثبات أمر ما في العلاقات الاجتماعية.
“وهناك نوع من الإفراط في استخدام الكثير من البرامج التي تعنى بتسجيل المكالمات”، يقول سرحان، مفترضا في الجهات المسؤولة عن هذه البرامج عدم إتاحتها بهذه الصورة غير المضبوطة، نظرا لما تسببه من مشكلات اجتماعية، بعضها ينتهك الخصوصية ويجعل الآخرين حذرين جدا في تعاملهم وعدم القدرة على الحديث بصورة طبيعية، خصوصا وأن البعض يسيء استخدام هذه الوسائل.
ويصف سرحان هذا التصرف بأنه نوع من إساءة الاستخدام وسوء النية ابتداء من أن الإنسان عندما يتحدث مع الآخرين معرض للخطأ، وهذا من طبع البشر ولا ينبغي استخدامه بهذه الصورة المسيئة التي لا تدل على حسن النية “فالشخص الذي يقوم بتسجيل المكالمات لديه قصد غير شريف ولا يريد أن يكون متسامحا”.
ويبين أن تسجيل المكالمات يقصد به توريط الطرف الآخر، في حين أن ذلك الشخص لا يكون محددا بما قاله والأصل في التعامل أن يحظى الحديث بقدر كبير من السرية والاحترام والتسامح، فقد يتحدث الشخص لقريب لا يرغب أن يعرفه أحد أو يسمعه لأنه يولد البغضاء بين الناس وهو أمر مرفوض.
ويشير أخصائي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، إلى أن الإنسان الذي يستخدم هذه التسجيلات كوسائل إيذاء للآخرين مريض نفسيا ويسقط حالة النقص في شخصيته على الآخرين، مشددا على أهمية الانتباه لعدم السماح للتسجيل الصوتي إذا ما كان لضرورة علمية أو حاجة مهنية. ويلفت مطارنة إلى انتشار برامج تسجيلات المكالمات من دون تخصيص لهذه المكالمة أو حاجة مهنية لذلك، وإنما تستخدم لتوريط الآخرين، خصوصا في لحظات الغضب ويستغلها المتصل للأسف كدليل ضد المتكلم، وهنا تحدث مشاكل كبيرة. وينصح بالانتباه والحذر عند التعامل مع الآخرين عبر الاتصالات الهاتفية لأن من الممكن أن تكون جميع المكالمات مسجلة.
وفي الجانبين القانوني والحقوقي، يؤكد المحامي الشرعي والناشط في حقوق الإنسان الدكتور عاكف معايطة، أن التسجيل الصوتي للمكالمات من دون علم الطرف الآخر جريمة يعاقب عليها القانون وانتهاك لحرية الآخرين ولا يؤخذ بها كدليل في القضاء الأردني.
ويلفت معايطة إلى انتشار ظاهرة تسجيل المكالمات مؤخرا بين الناس في ظل التطور التكنولوجي وانتشار استخدام الهواتف الذكية التي تتيح تنزيل هذه التطبيقات، مبينا أن ما يحدث حاليا هو مخالف للقانون ولحقوق الإنسان واختراق خصوصة الآخرين.
ويقول “يجب إعلام الطرف الآخر بتسجيل المكالمة حتى يكون على علم ودراية بذلك”، ويكمن الجانب السلبي في تسجيل المكالمات السائد حاليا هو “الترصد” للآخرين بإيقاعهم في المشاكل وهو غير مقبول شرعا وقانونا وعرفا، وفق المعايطة، إلا بظروف خاصة تقتضي ذلك وضمن مسؤولية جهات مختصة، وخلاف ذلك فهو لا يعد دليلا يدين الطرف الآخر. ويضيف أن ذلك يختلف في العلاقات الاجتماعية ويتسبب بالعديد من المشاكل والخلافات التي تنتهي بالطلاق في كثير من الأحيان.
ويصف معايطة هذه السلوكيات بغير الأخلاقية، ويمكن استخدامها كأسلوب تهديد وابتزاز يرضخ له البعض بسبب جهلهم القانوني وخوفهم من الوصمة الاجتماعية، مشددا على دور الإعلام في رفع وعي المواطنين القانوني في هذا الجانب. ويرصد معايطة، خلال عمله كمحام شرعي، العديد من المشاكل الزوجية التي انتهت بالمحاكم بسبب تسجيل مكالمات كلا الزوجين للآخر واعتبارها دليلا ضد الطرف الآخر في الحاكم، إلا أن القاضي الشرعي لا يعتد بها ويعتمد في الحكم الشرعي على البينة الشخصية.
وكانت وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام قد بينت، في تصريح سابق لها، عدم وجود استخدام سليم لدى الأفراد، معتبرة تسجيل المكالمات الهاتفية والتنصت عليها مخالفا للقانون ولقانون الجرائم الالكترونية. وقالت الوحدة، في بيان نشرته على صفحتها، إن تسجيل المكالمات الهاتفية والتنصت عليها مخالف لقانون الجرائم الإلكترونية.
ويتفق الخبراء على وجوب ضبط الشركات المشرفة على برامج تسجيل المكالمات وأن تشعر المتحدث أن هذه المكالمة مسجلة وضرورة إعلام الطرف الآخر باعتباره ينتهك خصوصيته وحقه في الكلام.
وأجمعوا على أن هنالك الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية الكبيرة التي تتسبب بها هذه البرامج، فالأصل أن يكون هناك إعلان بأن هذه المكالمات ستكون مسجلة من قبل تحذير من التطبيق ذاته، فقبل أن يكون هناك ضرر قانوني فهو ضرر اجتماعي، وعلى جميع الجهات المعنية الحفاظ على بنية العلاقات الاجتماعية.