الرئيسية / كتاب الموقع / التأميم في ظلال التتبير والصفقة

التأميم في ظلال التتبير والصفقة

الدكتور عبد الله الزعبي

مسيرة قرن من البناء والصراع في أجفان الأعاصير وبحر لجي تتلاطمه امواج الجشع والتقلب والهيمنة، في عالم يثير الشفقة ويسير نحو القارعة وأمه هاوية، عبرت المملكة والأرض الكنود؛ إذ لا نبت فيها ولا نفط ولا ماء، أهوال الصعاب والبقاء وحطمت قوانين شريعة الغاب. مملكة خير كادت أن تلامس أهداب الأسطورة وتروي قصة ملحمية تداعب أستار الصبر والإباء، احتضنت اللاجيء والملهوف، التحفت العطش وأنتصرت للضعيف، بقيت على عهدها مع عبق الأنبياء، وثرى الوعد حين آوى الجَلَد ولئم الجرح ثم لثم الحِلم. اليوم تضبحُ الشمس وجه النهار وتلوحه سواداً، تزج أرتال الشباب إلى عتبة اليأس، تلقي العاطلين في براثن عاديات تصيخ السمع لأنفاسها في الجوف، كأنه هدير الوجع ونذير الجزع، ففي كل بيت هناك أنان وفي كل أسرة أنين، شاب أو فتاة ويقين، يسعون للرزق وممارسة الحياة، يبحثون عن الأمل وراء العتمة والنفق، خلف عام الرمادة وأنياب القحط والجوع.
سنون عجاف تنتظر عاماً يغاث به الناس، عاماً طال به المسير في سراديب الخصصة والإستثمار، يكاد يصدق أكاذيب مدرسة شيكاغو وزيف الصدمة وعقيدة فريدمان، ونوبل إذ يرقص على أنغام الصندوق وسيده الدولار، ثم يأتي قرينه البترودولار بالصفقة قرباناً للمدللة اسرائيل حين تعلو علواً كبيراً، في الإسراء إن كانت أولاهما ووعد الآخرة والتتبير، وعهد الإحسان للأنفس وإن أسأتم فلها وعليها، تحذيراً تجسده صدقاً وعياناً “ولن ترضى” وقصة بني إسرائيل في القرآن.
ما عاد في جعبة الأمل سوى فكراً خارج الصندوق؛ إذ يزجر الصندوق وأنصاره، ومعه خله باندورا عندما ينفث شروره في وجه البشر، وحين يتطاير شرره ويحرق اللهفة والطيب، يبتلع براعم الحياة عند تتفتح أزهارها، وحين تغتال روح الشباب وتخنقه بالبطالة وتكوي أضلاعه. ما بقي في اكف الرجاء والغد سوى صدى التأميم، يعيد السيادة ومقدرات القدر وكنوز الثرى إلى أحضان داره، إلى وطن أصبح يحاوره اعداءه بوقاحة ووعيد، ويحاصره اشقاءه بلقمة العيش حتى يشكى الشكوى والضيق ويغرق في الأغلال والعناء.
نعم، لعله التأميم حتى يعيد الميناء والملكية إلى الحِجر والظل، ينقذ البوتاس والفوسفات من براثن الفساد والإتصالات وأخواتها وكل البلاد إلى أهلها الطيبين وهم ينصتون لكثير عزة وهو يشدو: إذا قيل خيل الله يوماً ألا أركبي وددت بكف الأردني انسيابها.
د. عبدالله الزعبي.