الرئيسية / كتاب الموقع / الاردن في غضون عام

الاردن في غضون عام

تدخل البلاد اليوم سرداب الإضراب، على وقع غضب المعلمين وأحداث الرمثا والكرك وصيحات المعتقلين. خلفية المشهد مضطربة ولئيمة، حيث إنتخابات الكيان توحي بعودة بنيامين مدججاً بجنون ترمب وأحجية الصفقة وأداة الجريمة، تنهب الحق من البحر إلى النهر، تسلب الوصاية وتحيلها إلى برج وتجارة وتحبس عمان؛ إذ ينهى تحالف وهاب مع صهيون مهمة سبتمبر وإبتزاز الاسلام بوزر الإرهاب، جاء بربيع الدم والفوضى والشرق الجديد. اربعون عاماً غسل فيها تحالف البترودولار دماغ الشام وذاكرة الأيام، من معان إلى حلب والفرات، احالها إلى منبت للنحل والملل ومنبر للطائفية، أضحت فيها ساحة للكراهية وصراع مع الهلال، سنة وشيعة وأخوة أعداء، جعفرية كانت أو إسماعيلية أو علوية، تتقاتل على التاريخ وأمم قد خلت بما اكتسبت. أربعون عاماً نعت فيها الجدة عقل الحفيدة، سارت فيها سماحة الإسلام للوراء أميالاً صوب التخلف والريبة على مشاهد السكين والأعناق وقفص الحريق، أربعون عاماً قضت فيها على العروبة وهدمت الجامعة وأعدمت بغداد، ثم احتفلت العمامة رقصاً على جثة صدام. أربعون عاماً أفرغت خزائن المال والضاد من الكرامة والرجولة وخنثت العباءة، أصبح فيها الفساد بطولة والسرقة شجاعة وساد السوط لغة الحوار، ثم غدا البرلمان مسرحية كوميدية تسري عن السادة والحاشية، سيركاً ابطاله من المهرجين يدفعون تذكرة الدخول لتسلية الجمهور ومداعبة الضمير.
اليوم يكتمل المشهد الحائر، في دناءة الفساد وخسة المكيدة، في السقوط دون دماء أو رصاص، في كيد النساء وعنجهية القبضة وعقل عفا عليه الزمان؛ إذ يحشر الملايين في أقفاص العطش وغلبة الدين خلف أسوار الظمأ، يزج بها في حظيرة الفقر تنتظر عام الرمادة، يقرصها الجوع وتنهشها بطالة تنتزع الهيبة وتقهر الرجال، تهوي بها في مستنقع القاع وجدد الصحراء إذ ترفرف ألويتها على الجسر، تسير بها ناحية نفق الهلع وعالم الغيب دون شهادة من المجهول. اليوم يكتمل المشهد على مواقع الشتيمة والذباب، ولحظة تخلع ملابس الحكمة عن جسد العفة والشرف، تضع نصال السيف على رقبة القرطاس والقلم وتمسخ عقل أمة أضحت دونما رشد أو هداية.
اليوم يكتمل مشهد بيان أيار والمتقاعدين منذ تسع سنين، حين يخلع ثوب الجبن والخوف والجهالة البالية في سوق العنتريات، مشهد يدرك مغزى المؤامرة ويستعد للثمن والمصير، يشجب البنك ووهاب وصهيون ويتحدى ذلك الأصفر المجنون، على أعتاب القدس وعمان يشحذ همة الحرف والقلم ويذود عن الوطن والعرض، بعد أن بيع في مزاد الخديعة للبيت الأسود والكيان والبترودولار، ينشد دفء دمشق وبغداد وصنعاء الجريحة، يعيد ترتيب البيت ويكنس الجاهلية في مصرف الجهل، يتحدى القبضة والبوم والصلعان ويلعن تجار الدماء، يرنو لحمل الوطن والنظام على اكتاف العمل والإيمان، يجدد البيعة ليسترد الدستور والبلاد، إنساناً وموارداً وسلطات، يرفع راية العلم والحرية والمساواة، وفي غضون عام يعيد برمجة الأمل على درب الإنتخابات، يأتي برجال ونساء صدق وحق تزهو بنظافة اليد والفرج واللسان.
عام واحد يمثل فرصة أخيرة لجردة حساب تمهد لعهد جديد، عهد تباركه دماء حرة يملؤها حب الوطن حرارةً ووهجاً، عام تنزوي فيه العصا بزوايا النسيان، تحدق فيه العيون على مكامن الخطر بعيداً عن حشر الأصوات في أفواه الصناديق. عام واحد كفيل بأن يضع الكرة في ملعب الشعب ليمارس دوره بإقتدار، يتحمل مسؤوليته بمسؤولية، يختار من يمثله بحرية، يعيد هيبة البرلمان دون مال أسود أو حشد من الأجهزة أو خوف من الأخوان. عام يفسح رحاب الشباب ليشتم رائحة الكرامة ويتنفس الأمل ويحتضن القوة، يسند ظهر العهد الجديد، عهد العلم والعمل والإبتكار، عهد تعود فيه مناقب الثقة ومآثر الإحترام بين الناس المتعبة والنفوس المرهقة، عهد يسود فيه الولاء الحقيقي للوطن والنظام، تلقى فيه تحيات المحبة والود والعرفان لسيد الوطن صباح مساء.
د. عبدالله الزعبي.