الرئيسية / كتاب الموقع / ابحث عن عروبتي 

ابحث عن عروبتي 

الدكتور عبدالله الزعبي

ابحث عن عروبتي التاهئة في قسمات الوجوه، في السمرة وسواد العيون ودفء المساء، في قِبلة القمر وعين الشمس. ابحث عنها على الخرائط حيث خطوط متقطعة وهمية تفصل الأوطان، تعزلها وتمزقها، فها قد أضحى لكل مِصر علم وألوان، نشيد وتيجان، عسكر وبيارق وصولجان، وعروبتي انشطرت فأصبح لكل قبيلة شاعر ومزمار، وشيخ يتوسط الخيمة ويسوم البازار. عددها في بلادي تجاوز العشرين، من قرطاج إلى بابل، من تطوان إذ تناجي بيسان، واليرموك ينادي سبأ والفسطاط وأم القرى وأختها أم درمان. انشد دمشق وهي تئن وتنزف وتتلوى ألماً، تبث همها وحزنها وتشتكي لله، وبغدان والرصافة حيث عاد فيها هولاكو وإبن العلقمي دونما مفتاح أو باب. أفتش عن عروبتي في زمن النصر البعيد، عروبتي المدانة في محاكم التفتيش ومجلس الأمن، عروبتي المنبوذة منذ سنين إذ يزدريها أبناءها وأعداءها سواء بسواء. كأن عروبتي ضلت اليوم الطريق فأضحت مسجاة على مذبح العورة والعار إذ يهينها بنوها ويتطاولوا عليها بالسخر والإستهزاء حيناً والإستخفاف وجلد الذات أحياناً ومرات. عروبتي تشهد اليوم سخط الزمان، تعاني من تشتت البلاد والعباد، تتحسر على قلوب تباعدت، وإفئدة تنافرت وتمثلت وحشة الصحراء في الشتاء.

ليت قومي يعلمون أن عروبتي أنجبت التاريخ، اخترعت القلم والكلمة، صنعت الحرف والرقم، منذ اسلافهم سومر في تخوم الرافدين. عروبتي روضت الأرض والزرع، ثم احتضنت الأنبياء وتصالحت مع السماء. أنقب اليوم عن لغتي التي حضنت القرآن في كنفها وحجرها، ثم أصبحت حبيسة صفحات المعاجم والصحاح والسير، لغتي المنسية في ثنايا القرون والأيام، الهاربة من اللحن وخيبة النطق وتلعثم اللسان. ابحث غرباً في جبال الأطلس عن الأمازيغي صاحب البحر طارق، وشرقاً عن الكردي صلاح الدين، فتى تكريت وحطين، أبحث حتى عن عنترة أو أمروء القيس وأبن الوقاص. أنا اليوم أمحص دعوة الجابري في العقل المستقيل وتحدي شوقي في أخلاق الأمة وبقاءها، لعلي أجد شفاءً وجواباً. أبحث عن إبتسامة عذراء ترتسم على محيا طفل في غزة وبني غازي وعدن، من الجوع واليتم يتألم، أتحرى الرشد والنضج في بني أمّي وانشد فيهم الهدي والنضج والوقار، أود أن أدفع عنهم التيه والرعونة والزيغ. أنا مثل نزار متعب بعروبتي، أتسآل عن الليل الأعمى والصبح البعيد. ويح قلبي وأنا أفتش عن شمعة درويش في الظلام، عن بقايا عروبتي، بقايا أمتي ووطني، أبحث عن نفسي وهويتي، وعاري…في الظلام.

د. عبدالله الزعبي.

تعليق واحد

  1. شكرًا دكتور عبدالله الزعبي ، انت تحدثت نيابة عن قلبي وما اصابه من الم ونيابة عن قلوب المؤمنين بعروبتهم ، كلماتك داوت ألمي وألم الآخرين ، ما يحزنني ان بعض الانبياء كانت لهم اخطاء ولكن الحاكم العربي لا يخطيء ، فهل اجد عندك يوما علاجا لحزني ؟