الرئيسية / كتاب الموقع / إذ نتغنى بالوهم

إذ نتغنى بالوهم

د. عبدالله الزعبي.

ها نحن اليوم نعود من المنفى والواد، من بطاح هجرها الماء والزرع، إلى العالم والبشر، إلى الحياة، نبحث عن موضع ودور، عن نصيب في قصة الحضارة ورحلة الإنسان في الكون، نسترق السمع ونختلس نظرة الغيرة والإعجاب، من شعوب ترتقي سلم الخلق وتروض الفكر والعلم، أمم تبلغ أسباب الأنفة والمنعة والسيف، دول ذات يد عليا ولها دون العالمين ريادة وسيادة. ها نحن نأتي اليوم من طي المكان والزمان، نسير على أنين الجرح والبطولة المتوارية في بطون الكتب، كل يبحث عن صدى الروح في الطريق إلى صمت التراب، كل يصطلي بأتون الضياع والنار المضطرمة في الضلوع، نبحث عن المكانة والسبب، عن تفسير، عن ذاك النور في النفق، نخرج من السرداب ووعود الرجعة والغيبة. نعود اليوم من المنفى كي يبتلعنا السراب، إذ نهيم في ضباب النصر الذي كان وما هو آت، نضيع في أزقة التخلف حين فرشت بالشّوك والحصى والتراب، نضاجع بالمنام واليقظة أحلاماً قانية بلون الموت. أنى ذلك والأمة تزعم بأنها زعيمة بأمر السماء، خيرة أخرجت للناس، ترفع راية الحق وتمتلك الحقيقة، أمة تزعم بأنها سيدة تملك العالم ولها في الجنة نصيباً ربما يكون أوحداً وعظيماً، أمة ترث الفردوس وكل آلاء النعيم، والحوريات.
يرحل الفكر عن الأمة اليوم بعيداً صوب التيه، يبغي الروح وما حوت من طارف وتلاد، ينشد نوراً به ينجاب الظلام، فكر يرقد على اطلال العقل والضمير، يرقب العلم إذ يتشح سواداً ويتقبل العزاء في القلم وإقرأ، تلك الكلمة إذ بها كان البدء في الغار، وربما النهاية، في العار، وذاك القلم الذي اقترن بالخلق العظيم، بالنون والنور وما يسطرون. ذاك علم أضحى اليوم فريسة مجاميع أم عامر والمؤلفة قلوبهم، إذا أعطوا رضوا وإذا منعوا غضبوا وأصبحوا أعداءً، منذ أمريء القيس ومعاوية والرشيد، مذ كان ذاك الغلام يعطي الدرهم ويوزع البرود اليمانية، يمنح الأمصار والألقاب ويشتري الذمم، وما زال، مجاميع حولت العلم إلى رقم ودقت طبول الظفر بالعلامة، حازت رخصة العمل والوظيفة وزعامة القبيلة.
نعود اليوم من المنفى والواد لنحتفي بالوهم، نطرب على نغمات إفك التعلم ومهزلة التعليم، نجعل من الجامعات زينة حيناً وحيناً تجارة، نرقص على دف البحث والتطوير ونتغنى حتى بالإبتكار والإبداع، بالرقم والزفة، نسعى وراء المؤشر ونشتري التصنيف، نتسابق على خديعة الإنجاز، كل هذا عجزاً، هروباً من الحقيقة، من نقمة الحضارة، من عبيء الرسالة، براءة من تلك التهمة…..ودعوة خير أمة أخرجت للناس.

تعليق واحد

  1. ذاك علم أضحى اليوم فريسة مجاميع أم عامر والمؤلفة قلوبهم، إذا أعطوا رضوا وإذا منعوا غضبوا وأصبحوا أعداءً، منذ أمريء القيس ومعاوية والرشيد، مذ كان ذاك الغلام يعطي الدرهم ويوزع البرود اليمانية، يمنح الأمصار والألقاب ويشتري الذمم، وما زال، مجاميع حولت العلم إلى رقم ودقت طبول الظفر بالعلامة، حازت رخصة العمل والوظيفة وزعامة القبيلة.
    نعود اليوم من المنفى والواد لنحتفي بالوهم، نطرب على نغمات إفك التعلم ومهزلة التعليم، نجعل من الجامعات زينة حيناً وحيناً تجارة، نرقص على دف البحث والتطوير ونتغنى حتى بالإبتكار والإبداع، بالرقم والزفة، نسعى وراء المؤشر ونشتري التصنيف، نتسابق على خديعة الإنجاز، كل هذا عجزاً، هروباً من الحقيقة، من نقمة الحضارة، من عبيء الرسالة، براءة من تلك التهمة…..ودعوة خير أمة أخرجت للناس.

    اكثر من رائع في تحديد العلل يا دكتور … وكأنك طبيب تشخص المرض بادق المجسات . سلمت وسلم القلم .