الرئيسية / اخبار / أحاديث جانبية و ضحكات .. هل فقدت بيوت العزاء القيمة الحقيقية لمعنى المواساة و المشاعر الصادقة؟

أحاديث جانبية و ضحكات .. هل فقدت بيوت العزاء القيمة الحقيقية لمعنى المواساة و المشاعر الصادقة؟

تجمعات كبيرة، أصوات تتعالى من هنا وهناك، ضحكات وقهقهات تأتي من كل زاوية، قصص وحكايات لا تنتهي، وأحاديث جانبية لا تتوقف .. كان هذا المظهر العام عندما قررت هبة الذهاب لتقديم واجب العزاء لوفاة والد إحدى صديقاتها.

تفاجأت بالأجواء الخالية من الحزن أو السكينة والهدوء أو المواساة كما يتطلبه الموقف، ليقتصر على أهل الميت فقط دون أي مراعاة من قبل المعزين لحزن العائلة ومصابها.

ما سمعته هبة من أحاديث عن اشتياق النساء لبعضهن البعض وكأن العزاء جاء فرصة للالتقاء مرة أخرى، والاصرار لتناول الطعام وكأنهم في “فرح”، والأصوات العالية دون مراعاة لحرمة الميت، كانت كلها من “اسوأ” المظاهر التي شاهدتها، مبينة أن عدم احترام مصاب أهل الميت وعدم مراعاة مشاعرهم وأحاسيسهم أمر مستغرب وفيه “قلة احترام” من هؤلاء الأشخاص.

وهو ما أكدت عليه سناء عبدالله التي أخذت قرارا منذ فترة بعدم الذهاب إلى بيت الأجر والسبب ما تشاهده في بيوت العزاء من مظاهر بعيدة كل البعد عن ما يتطلبه الأمر من مواساة واظهار مشاعر الحزن والتخفيف عن العائلة، مبينة أن تقديم هذا الواجب أصبح خاليا من المشاعر، وحتى الصمت مفقود ويحل مكانه الأصوات المرتفعة.

وتلفت إلى أن الشخص وإن كان لا يشعر بالحزن على المتوفى، وأن ما يفعله مسألة واجب فقط ليس أكثر لابد أن يُظهر على الأقل بعض الاحترام لأهل للمتوفى، مراعيا ألمهم ومشاعرهم في الأوقات العصيبة التي يمرون بها.

وفي ذلك يذهب أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية الدكتور منذر زيتون، أن من واجبات الموت في الإسلام أمران، الأول خاص بالميت وهو حضور جنازته، والثاني خاص بأهله وهو مواساتهم، والملاحظ أن كثيرا من الناس يهتمون بحق الأحياء وينسون حق الميت في اتباع جنازته وحضور دفنه وقبل ذلك الصلاة عليه الا قليلا من الناس من يحرص على ذلك.

ويشير زيتون أن الإسلام لم يأمر بفتح مجالس للعزاء، ولكنه لا يعارض ذلك، والأصل لمن يحضرها أن يعتبر اولا من الموت لأنه سائر إليه وعمره منته به، والثاني الدعاء للميت، والثالث مخالطة أهل الميت والتخفيف عنهم وتقديم العون لهم وإن أمكن صنع الطعام لهم لانشغالهم بمصيبتهم.

ولكن للأسف انه يعتري تلك المجالس بعض المثالب التي لا بد من التخلص منها، وهي المبالغة في إقامتها من حيث التكاليف وخصوصا ما يتعلق باستئجار قاعات وصالات أو اقامة بيوت الشعر المكلفة، ثم تقديم الطعام والشراب وكأنها حفلة أو فرح، وكذلك كثرة الكلام فيما لا فائدة منه، بل قد يتحول بيت العزاء إلى مجلس ضحك وتدخين، وأحيانا مجلس استغابة ونميمة، وقد يجده الناس فرصة للالتقاء بالاحباب والأصحاب متناسين الميت وأهله وما يجب عليهم من التخفيف عنهم وتقدير ما يمرون به من حالة حزن، وفق زيتون.

ويعتبر زيتون أن ما يمكن أن يقدم للناس هنا من نصيحة فهي أن يحرصوا على الصلاة على الميت واتباع جنازته وفي هذا أجر عظيم وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مثل قراطين من الأجر.

ويلفت زيتون إلى أهمية التخفيف من أيام العزاء، ولتكن يوماً واحدا فقط وهذا لمن فاته حضور الجنازة، وإن كان يومين أو ثلاثة فيتم تحدد ساعات العزاء بأن تكون من العصر الى العشاء مثلا مراعاة لظروف أهل الميت وتخفيفا عليهم وعلى الناس، وأيضا أن يحرص من يحضر مجلس العزاء بالدعاء للميت وطلب المغفرة له، واحترام مشاعر أهله وحزنهم، وعدم الإطالة في الجلوس، وأن يبتعد الجميع عما يمكن أن يخدش حرمة الميت وأهله من كلام لا فائدة منه، أو غيبة أو نميمة أو ضحك أو لهو.

التغير في القيم والعادات والتقاليد في المجتمع هو تماما ما يحدث في بيوت العزاء بحسب الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي، الذي يبين أن عملية التبدل هذه في القيم تعتبر أمرا ملفتا للنظر ويتولد عنها سلوكيات سلبية كثيرة.

ويبين أن وجود أشخاص في بيوت العزاء ليسوا قرابة من الدرجة الأولى وهم “معارف” قد لا يكونون متأثرين، ويجدون في ذلك فرصة من أجل تبادل الأحاديث والمجاملات والتحدث بالعمل أو بقضايا شخصية مع أصدقاء يلتقون منذ فترة.

ويبين الخزاعي ان القيام بالواجب للمتوفى يكون بقراءة القرآن له والدعوة الصادقة، معتبراً أن البعد عن الدين وتعاليمه التي كنا نتمسك بها قديما هو السبب في انتشار مثل هذه السلوكيات في بيوت العزاء.

الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة يبين أن بيوت العزاء هي مشاركة وجدانية لأهل الميت والتخفيف عنهم في مصابهم، ومؤازارتهم، وتقديم مشاعر المواساة الحقيقية.

ولكن مع الوقت أصبح أهل المصاب مرهقين اجتماعيا، إلى جانب الحزن، ومطلوب منهم عدة أمور قد لا يقدرون عليها، لافتا إلى أن الفكرة الاساسية من العزاء هي مساعدة أهل الميت وتصبيرهم على فقدهم، والالتفات الى ما يحتاجونه.

ويستغرب من أن هنالك دورا للعزاء تتحول لمنتدى للقاءات والضحك والمزح، وهو الأمر الذي شوه الحالة تماماً، لافتا أن الممارسات التي أصبحت تحدث سلبية جدا وتنعكس على أهل الميت من مظاهر فيها غياب للمشاعر الصادقة للمتوفى وعائلته.

ويشير إلى أن اهمية المحافظة على المعاني والقيم الإنسانية وعدم التجرد منها، والعودة إلى الأخلاق والصدق في التعبير عن المشاعر واحترام أهل الميت ومصابهم الكبير.

“الغد”