الرئيسية / منوعات / آباء يعتمدون ‘العقاب‘ ويتجاهلون الثواب.. ما هي المخاطر؟

آباء يعتمدون ‘العقاب‘ ويتجاهلون الثواب.. ما هي المخاطر؟

يبدو أن هنادي واحدة من أمهات كثيرات، يعتقدن أن المعاقبة على السلوك الخاطئ هو أساس التربية السليمة، وأن التصرفات الجيدة أساسية وواجبة ولا ينبغي أن ينال الطفل الثواب عليها.
كانت الأم تتعمد معاقبة ابنها على كل شيء بهدف تأديبه وتعديل سلوكه، كما كانت تعتقد، ولا تلقي اهتماما لأي تصرف جيد يقوم به، رغم أنها اكتشفت أن ذلك كان له آثار ونتائج سلبية.
تقول “ابني أصبح يتوقع العقاب من أي تصرف يقوم به، ولا يستمع لما أقوله على الاطلاق” إذ توصل لنتيجة أن ما يقوم به سيعاقب عليه بكل الأحوال، لافتة إلى أن ذلك أشعرها بحالة من الخذلان بأنها فشلت في تربيته.
وتضيف هنادي أن هذ الأمر أثر عليها لدرجة أنها قامت بمراجعة أحد اختصاصيي التربية، والذي أخبرها بأهمية اتباع أسلوب المدح والتقدير والثناء مع ابنها، فالعقاب وحده لا يمكن أن يجدي نفعا بل على العكس سيعود عليها بنتيجة سلبية.
اليوم هنادي وبعد مرور شهرين واعتمادها أسلوبا مغايرا، بدأت تشعر في تغير بسيط بأسلوب ابنها وأنه أصبح يفكر بتبعات الشيء قبل أن يفعله، ويتصرف بايجابية لينال الاستحسان والتقدير حتى لو بأبسط الأمور.
ولطالما كان مبدأ “الثواب والعقاب” أمرا متعارفا عليه لدى الآباء، إذ يتبعونه مع أبنائهم كأسلوب لتعديل السلوك، غير أن الكثير من العائلات ترى أن “العقاب” هو الذي ينبغي أن يطبق دائماً دون التركيز على أهمية الثواب.
ولا ينال الثواب هذه الأهمية عند الأهل رغم أثره الكبير على تربية الطفل وتقويم سلوكه، وهو ضروري ولا يجوز تجاهله واتباع أسلوب العقاب فقط، لما يتركه ذلك من أثر سلبي في التربية.
سناء العلي كانت قد تنبهت لهذا الأمر منذ البداية عندما شعرت أن زوجها يقوم بمعاقبة الأبناء على كل تصرف خاطئ يقومون به، ولا يمدحهم حتى بكلمة واحدة على الفعل الجيد، وعند سؤالها له عن السبب أخبرها بأنه “ضد” هذا الأسلوب، وعليهم أن يشعروا أن التصرف الايجابي هو طبيعي وضمن سلوكيات الحياة اليومية.
شعرت سناء بخيبة أمل من تفكير زوجها، فالأطفال لا يمكن معاملتهم بهذه الطريقة بل على العكس يجب تعزيز كل سلوك ايجابي يقومون به ليترسخ ذلك بداخلهم للمستقبل، مبينة أنها تتبع ذلك مع ابنائها على عكس والدهم كمحاولة للتعويض، ولمست ذلك الأثر في نفوسهم، وميلهم لها ولأسلوبها أكثر من والدهم.
الثواب والعقاب مهارة على الآباء إتقانها، وفق الاختصاصي الأسري أحمد عبدالله الذي يبن أن مهمة العقاب الأساسية، إيقاف السلوك غير المقبول، لكن قبل هذا يجب وضع معايير صحيحة وعلمية للسلوك غير المقبول وليس لأنه “فقط” لا يعجب الأبوين.
في المقابل فإن الثواب لا يكون فقط بالقيام بما هو إيجابي، بل يجب أن يكون حتى على السلوكات التلقائية الصحيحة، لأن القاعدة تقول إن السلوك إذا تعزز سيتعمق ويتطور ويرفع احتمالية أن يتكرر ويصبح قيمة لدى الابن يتولد لديه سلوكات إيجابية أخرى جديدة.
ويعتبر عبدالله أن السلوك الخاطئ يتطلب إيقافا، واستبدالا أيضا، فمن المهم أن يكون العقاب مساهما في أن يتعلم الطفل سلوكا جديدا، وألا يكون العقاب مجرد تفريغ انفعالي من الأبوين ليس له أي قيمة حقيقية في سلوك الابن.
وفي ذلك يرى الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي أن السبب الرئيسي لذلك هو عدم إلمام الأهل بطرق تعديل السلوك الإنساني، والذي يجب على الأسرة أن تطبقه مع الأبناء عبر وسائل التعديل المتمثلة في طرق إنسانية واجتماعية مثل الثناء والمدح والتقدير والتعزيز عن طريق الهدايا للأبناء، وعدم التركيز فقط على مبدأ العقاب.
ويعتبر الخزاعي أن العقاب يأتي بآخر مرحلة في مراحل التعديل، مبينا أنه أحياناً قد يكون الثواب بأبسط الطرق مثل كلمات الثناء والمدح، مبينا أن تجاهل موضوع الثناء في التربية سببه التنشئة الاجتماعية الخاطئة.
وتذهب الاختصاصية النفسية والمختصة بشؤون الأطفال الدكتورة أسماء طوقان أن من أهم الأساليب التي يجب أن تُتبع مع الأطفال لتعديل السلوك هو أسلوب العقاب والثواب، ويتم ذلك بعمل جداول التعزيز للأطفال للتخلص من السلوك السيئ وتحفيز الجيد.
غير أن ما يحدث، وفق طوقان، هو استخدام الأهل أسلوب العقاب فقط، وإهمال الثواب رغم تأثيره الكبير على الأطفال وبتكوين شخصيتهم، وينبغي أيضاً أن يقدم مباشرة بعد حدوث السلوك لأن التأخير يفقده قيمته ويقلل من أثره وفاعليته.
وتشير طوقان إلى اهمية استخدام معززات رمزية بسيطة مثل الكلام الجميل والثناء والمديح، واخبار الطفل أن التعزيز قادم، وذلك للمحافظة على استمرارية السلوك وأيضاً على الأهل عدم المبالغة حتى لا يؤدي الى الاشباع وفقدان قيمة المعزز. وتضيف أن التنويع في المعززات يكون بما يتناسب مع الظروف المادية للأسرة وعدم تحميلهم فوق طاقتهم.
وتشير إلى أن الثواب والتعزيز عند الأطفال له أهمية وفوائد كثيرة منها زيادة ثقة الطفل بنفسه، القدرة على تحمل المسؤولية وبناء شخصية قيادية، التخلص من السلوك السيئ بطريقة محببة، الى جانب الشعور بالقناعة وتعليم الطفل بذل الجهد من أجل الحصول على ما يرغب به، وتطوير مهاراته من الناحية الاجتماعية بين أفراد أسرته والمجتمع.

الغد