الرئيسية / كتاب الموقع / ليست بلادنا “

ليست بلادنا “

أديب المملكة : فراس مخادمة

كان نائباً كثير الكلام في كل جلسة يعقدها البرلمان، ولكنه كان في الوقت نفسه قليل الكلام في بيته، وقد
سخرت زوجته من خطبه البرلمانية المضجرة، واقترحت عليه أن يحاول التكلم عما هو غير متوقع، ففكر
في اقتراحها، وأعجب به، وأعلن أنه سيبدأ حالاً التدرب في بيته علي هذا النوع غير المألوف من الخطب،
ووقف مشدود القامة، وخاطب أناساً غير مرئيين، وقال لهم: تخيلوا يا أيها السادة أن المطر الذي يهطل
الآن هو آخر مطر، ولن يعقبه أي مطر .
فتخيلت زوجته المطر ينهمر ليل نهار من دون أي توقف حتي يضطر نوح نفسه إلي العودة إلي الحياة
وبناء سفينة جديدة وتحذير الناس ثانية من طوفان آت.
واستمر النائب في مخاطبة أناس غير مرئيين، وقال لهم: وتخيلوا أن شروق الشمس اليوم هو آخر شروق
لها، ولن نراها مرة أخري إلا في الأفلام الخيالية .
فتخيلت زوجته الشمس تشرق شروقاً يشبه الانفجار ويشعل الحرائق في كل مكان غير مميز بين مذنب
وبريء.
وصاح النائب محملقاً بنظرات ماكرة إلي مستمعيه غير المرئيين: وتخيلوا يا أيها السادة أن كل النساء
الجميلات تحولن رجالاً أشداء غلاظاً .
فتخيلت زوجته أن كل الرجال تحولوا نساء يتواثبن من سرير إلي سرير.
وقال النائب لأناسه غير المرئيين بصوت مفعم بالأسي: وتخيلوا يا أيها السادة أن الضرائب ألغيت والقوانين
ألغيت والحكومات ألغيت والبرلمانات ألغيت .
فتخيلت زوجته البرلمانات وقد ازدادت بأساً وحلت محل المسارح الكوميدية والمخافر، وفرضت ضرائب
باهظة علي التنفس.
وقال النائب لأناس غير مرئيين مبشراً: وتخيلوا يا أيها السادة أن اللصوص أجمعين تابوا، وبات رجال
الشرطة يعانون ويل البطالة .
فتخيلت زوجته بلداً لصوصه هم رجال شرطته، وقتلته هم جنود جيشه.
وخاطب النائب أناساً غير مرئيين قائلاً لهم بصوت متهدج حزين: وتخيلوا يأ أيها السادة أني سأنتحر
وأموت .
فتخيلت زوجته زوجها ينتحر ورؤساءه ينتحرون، فينطلق سكان الكرة الأرضية في الشوارع مزغردين.

تعليق واحد

  1. ابدعت ما شاء الله. سلمت يداك.