الرئيسية / كتاب الموقع / المعلم…ذاك الصبح والفلق

المعلم…ذاك الصبح والفلق

المعلم…ذاك الصبح والفلق

الدكتور عبدالله الزعبي

نبا الدهر بالأردني وأعرض حتى أضحت الحكمة طوع بنانه، فنثر أزهار الجود فوق آية الزمن، في جنح الفوضى وهيجان الجنون، قفا سنن الليل وقرى الضيف فأكرم مثواه، قاسمه اللقمة والماء والهواء حتى عجت في عروقهما الدماء، ومعه شيد صرح الحياة وجاوره في ضريح المرقد والآخرة. صبر ذاك العروبي وصابر حتى ضاع في الزحمة ورحاب الولاء للثرى وسيرة الأجداد ومسك العقيدة في السراء والضراء، بات اليوم على شفير نقير وزج به في شعِب الرمادة والسنين العجاف وأحضان الداء والأعداء، ألقي به في بئر يوسف وجوف حوت ذي النون، كأنما إخوته يقذفون به من على سفينة الطوفان، يصارع أمواج الصفقة وبحرها اللجي.

يتوشح الأردن اليوم بالبصيرة إذ يعود المعلم هادياً ومرشداً، يحمل قبس العزة ومشعل الخلاص من القيد في معصم الحرية، يهتف لنزع أصفاد الجهل وينادي بالإعتذار عن القحط والمهانة والنجاة من سجن الجاهلية، يعلن العصيان على اليأس والخنوع ويقدم للعصا هدية، أنَ النهج عقيم ويعاني العنة في المنهجية، ثم يعرض صدره درعاً لسيف الصندوق وزبانية الإملاء إذ يخطئون بالإملاء وأبجديات العروبة والعربية. يصرخ المعلم اليوم في وجه القنوط ويهتف للعَلم والعِلم وينحني للوطن، ليعيد رسم خارطة الغد وإشراقة الأمل، ويقود البلاد إلى شواطيء القدوة والرجولة، يلقن عبيد الذات الأجوف والجاه الفارغ دروساً في السياسة وفن الإدارة وعبقرية الحوار والجماعة والقيادة. يسيل أساتذتي اليوم أشعة الضياء على أديم الأرض فتكسوها عزة وكرامة وتأخذ بالأيادي إلى بر الأمان، لعل القدر يستجيب لدعوات النجاة.

حسب المعلم فخراً أن وصفه أمير الشعراء وكاد يرفعه لمنزلة الرسل ورتبة الأنبياء، وحين عزف إبراهيم طوقان في سيمفونيته رداً عليه إذ قال: لا تعجبوا إن صحتُ يوماً صيحة ووقعت ما بين الفصول قتيلاً، يا من يريد الانتحار وجدته، إنَّ المعلم لا يعيش طويلاً، فهو خليل النشيء يبني بهم مدارج المستقبل السنم، يبذر زينة العلم بين الأهل والورى ويدرك به أقاصي المجد وعز الأمم. فمهلاً أيها السادة، فالعصا لن تفلح مع الكلمة والسيف لن يخرس القرطاس، أما التعليم فأعظم السلاح في أرض تصمت فيها “إقرأ” ويتوارى فيها الكتاب، فما أحوج بلادنا التي شهدت ميلاد التاريخ، فاخترعت الحرف والرقم وأنارت دروب البشر، بأن تنصب المعلم ملكاً على شجاعة القلوب وإقدام العقول والخير المندفق، ينير سبيل الوطن بشموعه إذ تحترق، لا أطفأ الله نوره، ذاك الصبح والفلق.

د. عبدالله الزعبي.