الرئيسية / كتاب الموقع /  المحاضرة…..الأخيرة

 المحاضرة…..الأخيرة

د. عبدالله الزعبي.

المحاضرة الأخيرة كتاب مفعم بالأمل مملوء بالتفائل يطفح حكمة وحصافة رغم أن مؤلفه كان مصاباً بأخطر أنواع السرطان. راندي باوش، استاذ الحاسوب والواقع الإفتراضي في جامعة كارنيجي ميلون العريقة، يمثل جيلاً من العلماء والأساتذة الذين حافظوا على بقاء امريكيا سيدة للعالم المعاصر عبر اسهامتهم البحثية والعلمية والإنسانية. ويتضح ذلك جلياً عند الغوص في أعماق “المحاضرة الأخيرة” والتقلب بين صفحاتها وغور طياتها. فضمن تقليد جميل للرسالة الانسانية والتنويرية للجامعة يسمى “المحاضرة الأخيرة” يدعى لها استاذ متميز للحديث عن تجربته الأكاديمية مسترشداً بالسؤال: “إذا كانت فرصتك الأخيرة لإلقاء محاضرة للطلاب، ماذا تقول لهم؟”. تلك المحاضرة ألقاها باوش في سبتمبر عام 2007 في جامعة كارنيجي ميلون، وكان عنوانها “أن تحقق فعلاً أحلام طفولتك”، إذ تعد واحدة من أكثر المحاضرات إلهاماً وبوحاً ودعابةً وأعمقها تعبيراً عن المشاعر الإنسانية حباً ووفاءً وعطاءً، صدر على إثرها كتاب  كان الأفضل والأكثر مبيعاً على قائمة نيويورك تايمز. فما بين التقليد والمحاضرة والكتاب، حقق ذاك الأستاذ الملهم حلم طفولته البريئة بالإنجاز والتفوق والإيثار عبر رحلة من المثابرة والألم والأسى وعناء فراق اطفاله الثلاث وتوأم روحه ورفيقة دربه، فغادر الدنيا في عنفوان شبابه وقمة عطائه تاركاً ورائه إرثاً غنياً لاطفاله وزملائه ولإساتذة الجامعات في العالم اجمع. إنها قصة ذاك الطفل الحزين الذي عشق والديه وأسرته فوجد في الاحلام ملجاءً لممارسة إنسانيته، ولاذ بالعلم شاباً فأصبح أكاديمياً بارعاً فذاً، ثم لجأ للحكمة كهلاً  لعله يبدل الكآبة والحسرة والدموع بنبض المرح والذكاء والفطنة.
لا أدري إن دعي أحدنا اليوم لإلقاء محاضرته الأخيرة، معافاً كان أم عليلاً، بما يخاطب طلبته وما إرثه الذي يبغى؟ أين غنى التجربة ومبعث الوحي والإلهام؟ فطلبتي حتماً سئموا الحديث عن الإلكترون وماكسويل والبرمجيات. قطعاً هم يرغبون بالإصغاء إلى مفردات الأمل التي تبعث في نفوس الشباب تلك اللذة التي تنعش ما ذبل، وتحلي الصبر على غمرات العيش وضنكه؟ هم كذلك مثلي يفكرون في ذاك الطفل الذي يطاردنا حتى آخر العمر، بأحلامه وطموحاته، ما تحقق منها وما أفل. فتحية للدكتور باوش في مرقده وعلى روحه السلام، فقد بعث في النفس سؤالاً قد لا أقدر أن أجيبه حتى يأتي حين تلك المحاضرة…….الأخيرة